استضافت لجنة الحوار في أدبي حائل الاسبوع الماضي الكاتب والفنان التشكيلي الأستاذ علي بن محمد الحبردي، ضمن سلسلة كتاب من حائل بالقاعة الثقافية بمقر النادي، وأدار الجلسة عضو لجنة الحوار الأستاذ برّاك البلوي. وتحدث الضيف عن بداياته وعن المشهد الثقافي والعقبات التي واجهته ورؤيته للساحة الثقافية وغيرها من المحاور المختلفة، في البداية قال الحبردي انه تعلق بالمعرفة والقراء ة بالصدفة حيث كان يدرس في الصف الخامس في المدرسة العزيزية الابتدائية بحائل، وعندما فتحت المكتبة المدرسية فيها أبوابها للاستعارة، وقال الحبردي انه استعار قصة قصيرة بعنوان: (الجزيرة المسحورة) وبدأ بقراءتها أثناء عودته إلى منزله في ذلك اليوم، وتعمّق في قراءتها وجلس على حافة الطريق في منطقة قديمة بوسط حائل تسمى: (بنية عيرف) إلى أن أكملها، ولا تزال بعض إحداثها عالقة في ذهنه، في وقت كان والده على أحر من جمر الانتظار فعاتبه إلى أن عرف سبب تأخره. يضيف الحبردي: "بعد قراءتي لتلك القصة وصلتني هدية من قريب لي يعمل في شركة ارامكو وهي نسخة من مجلة (قافلة الزيت) ومعها خارطة للمملكة العربية السعودية من الحجم الكبير، فأسهمت تلك الخارطة بخلق علاقة ودية بيني وبين الأماكن، وحرضت رغبتي في البحث والاستكشاف وتداعي الخيال. وقال الحبردي: صرت اقرأ قراءة غير منهجية وغير محصورة في مسار معين، حاولت الانعتاق من الأفكار المتحجرة، مع ثقتي بثوابتي الراسية التي لا تتزعزع بحمد الله، فقرأت للروائيين العالميين والعرب والسعوديين، وأعجبتني روايات عبده خال الذي اعتبره في المقدمة بالنسبة إلى بيئته، ورجاء عالم ورواياتها التي هي اقر ب إلى الأساطير في حواري مكة، وعبدالحفيظ الشمري وبيئته التي تجتذبني، وكذلك العديلي، أما القصة القصيرة فيمسك بناصيتها جارالله الحميد وجبير. وقرأت عن التاريخ العربي وحضارات ما قبل الإسلام والتاريخ الإسلامي، واطلعت على بعض الثقافات والفلسفات العالمية بقدر ما توفر آنذاك، كنت شغوفا وجريئا بمعرفة الآخر وفلسفاته، في البداية أحسنت الظن بفلاسفة الغرب، وأردت الاطلاع على علومهم الاجتماعية والاقتصادية التي جذبت المثقفين العرب في بداية القرن التاسع عشر، والعشرين، وخاض المثقفون في أقوال ديكارت وفولتير وهيجل للتظاهر بالحدثية، وطغت في تلك الفترة الفلسفات المادية التي هيمنت ثم هوت، وكنا نتلقى منهم كل جديد بصرف النظر عن صحته، لأنه لم تكن لدينا القدرة على التفنيد أو التمييز خلاف ما هو عليه الحال اليوم مع الانفجار المعرفي، وصعوبة احتواء الفكر في أي مكان وتأبط صاحبه، ووضعه تحت مظلة المفكر المثقف (الخوي) الذي لن يكون له أي تأثير على المستقبل الثقافي كما قال الدكتور الغذامي. وأضاف: تسرعت في نشر إصداراتي :الرواية الأولى ومجموعاتي القصصية رغم نصيحة عزيز ضياء الصادقة والمخلصة ألا أتعجل، لكي لا أقع في الخطأ وأتعرض للنقد، وكان استعجالي بسبب الاندفاع والاستعداد للنقد والمشاكسة،ولسبب آخر أنني ربما لن أعود إليها من جديد، لأني أمل من تكرار المراجعة، تسرعت أيضا في حسن الظن بالرئيس الأسمر لأنه لم يكن قادرا على تبيض أي شيء بل أضاف إليه شيئا جديدا من الغموض.أؤيد رؤية ادوارد سعيد في أن الاستشراف جاء بايدولوجيا مرسومة لخدمة السياسة وليس بدافع المعرفة، أنا أحسنت الظن بمقاصد المستشرقين ك(وليام بلجريف) رغم انتقاده للمسلمين، أما البقية ك(شارلز دوتي) ومهازله وإساءاته لمضيفيه ورفاقه العرب، فأكد مخاوفي أن لكل مستشرق غاية كالتجسس والتنصير، رغم أنهم دونوا لمراحل هامة كادت تنسى من تاريخنا، أما المستشرقات النساء فكن أكثر إنصافا لنا ك(الليدي آن بلنت) و الألمانية (زغريد هونكه). وأضاف الحبردي: أحسنت الظن بالغربيين بينما هم يتهموننا بالنفور من الآخر بغير وجه حق، مع أن تاريخنا الإسلامي رحّب بسلمان وبلال، وصولا إلى ترحيب النوري بن شعلان بالشيخ موسى الرويلي (لويس موزل) المستشرق التشيكي، والغرب الآن وفي هذا العصر عنصريون ضد المسلمين بحجة الحرية، وحسن نوايانا جلب علينا المصائب والخنوع.الحبردي سرد معاناته من الإحباط والمعوقات في مسيرته وقال: تعرضت لمصيبة سرقة نظريتي التي نشرتها في مجلة اليمامة عام 1420ه التي تقوم على أن صخور الأهرامات في مصر كانت مسحوقة، كالخرسانة الإسمنتية، وأعيد صبها وتشكيلها فوق الأهرامات، فطلب النظرية بكل تفاصيلها صديق ليتبنى تنفيذها، وبعد مضي سنة ونصف اكتشفت انه تبناها العالم الفرنسي جوزيف دافيدوفيتس بما يشبه السرقة ونسبها إلى نفسه، كما تعرضت لسرقة اختراعي للحرف العربي على شكل 8 من قبل احد شركات الكمبيوتر بعد أن شرحت لهم الفكرة بحسن نية، ولم أسجل اختراعي عالميا، كما سرق جهازي الحاسوبي المحمول وفيه مسودة تسعة فصول من كتاب جديد، من أمام غرفة تجارة الدمام من سيارتي في مواقف تحت الحراسة، الصعوبات تواجهني وتواجه أي إنسان، أنا لا أدعو لليأس بل إلى الاستخفاف بالعقبات والمصاعب بقوة الإرادة. وقال ثقافتنا بخير ومبدعينا بخير ولكن مسار الثقافة يحتاج إلى التمعن والبحث عن أبواب الإحباط أمام المثقف لخلعها، وأتمنى في عهد هذا الملك الصالح أن تتم مساواة كل اثنين من المثقفين بلاعب كرة واحد على الأقل. وكانت أولى المداخلات بعد أن انتهى الحبردي من سرد سيرته، عن رؤيته وتقييمه للمشهد الثقافي الحالي والكتاب الحاليين أجاب الحبردي: أن المشهد الثقافي في العصر الحالي لا يخفى، وهو يتكلم عن نفسه، والمثقف عندنا يحتاج إلى الكثير، والى مساواته مع لاعبي كرة القدم، خاصة انه لدينا القدرات اللازمة لتطوير المشهد الثقافي.ثم مداخلة صوتية من ياسر الشدوخي تركزت عن تساؤله: لماذا بدد الحبردي جهده في عدة معارف بدلا من التركيز على معرفة واحدة ليبدع أكثر أجاب الكاتب: انه مثقف بالهواية والتجريب والمعرفة وليس لغاية معينة. مداخلة صوتية من فهد عايد الزعيزع سأل الحبردي فيها: مارأيك بالروائية أحلام مستغانمي ؟ أجاب: قرأت لها القليل ولا استطيع إعطاء رأي عنها، وقرآتي لرجاء عالم أكثر.ثم مداخلة صوتية من القاعة النسائية من الدكتورة ثناء عياش التي سألت: من المسؤول عن إحباط المثقف ومن سيقوم على بناء المشروع الثقافي النهضوي؟أجاب: للأسف المستشرقين خدموا اللغة العربية أكثر من أبنائها، وعانت البلاد العربية من أنصاف المستشرقين الذين اتهموا العقل السامي بالقصور، وبعضهم خدم نفسه وأنا أسيء الظن بهم. الحبردي أجاب: أن طريقة لصق الأحجار في بعضها هي من سر حضارة الفراعنة، ونظريتي ربما تكون قاصرة ولكن ذلك لا يعني أنها غير حقيقية، ومن الطبيعي أن لا يتأثر قدامى المثقفين كما الجيل الجديد، بسبب تواجد التقنية الحديثة كالتلفاز والانترنت الذي أصبح يعلّم الناس، براك البلوي مدير الأمسية أشار إلى أن أدبي حائل يرحب باستضافة الكاتبات قريبا وربما في رمضان القادم. ثم تساءل نائف محمد الجماح: هل تعلقنا بالماضي هو سبب تأخرنا؟ أجاب الحبردي: أنا أؤمن بالمؤامرة من بداية التاريخ، والعرب عليهم مؤامرة مستمرة منذ عهد الفرس والرومان، وكل الأنبياء من أرضنا، ولن نتخلى عن ارثنا وحضاراتنا فلدينا ارث أمة وتاريخ أنبياء. ثم مداخلة نسائية من الدكتورة الجوهرة الجميل سألت الحبردي (بنية عيرف) هل لها نصيب من كتاباتك؟ ولماذا تسرعت بالكتابة عن الرئيس الأسمر؟ أجاب الحبردي: (بنية عيرف) بقيت في قلبي، لكن المتبقي منها فقط ربعها الآن، ولو أُعيدت لعدت إلى الكتابة عنها، والرئيس الأسمر تفاءلنا به لأنه ابن رجل مسلم، ولا نريده أن يميل معنا، وكنا نريده أن ينصفنا فقط، واكتشفنا انه مجرد ترس في عجلة متجهة بعيد عنا. ناصر المديني سأل في مداخلته: ما هو مصير الكتاب أمام الوسائل الحديثة كالانترنت؟ أجاب الحبردي: الانترنت شي لا بد منه كوسيلة حديثة ومفيدة، ولكن لا غنى عنه ولا يمنع اقتناء الكتاب من الاستفادة من الانترنت، وإذا استغنى الإنسان عن الكتاب تنتهي الثقافة، واغلب مواضيع الانترنت تهريج، ولها ايجابيات وسلبيات، ولكن فيها مواضيع مفيدة. ثم مداخلة صوتية من رشيد الصقري: حائل غنية بالتراث الذي يستفز الكاتب الروائي، ما سبب عزوف الكتّاب عن استثمار التراث الشعبي بحائل، كما استثمرته أنت في روايتك: (حمى قفار) وصالح العديلي (وادي الاديرع)؟ أجاب الحبردي: انه يتمنى صدور جريدة يومية في حائل، أو موسوعة عن التراث والفلكلور الموجود فيها، فحائل لا تقارن بأي مدينة أخرى، والكاتب عبدالرحمن السويداء له محاولات طيبة في هذا المجال، ولكن العمل الفردي لا يكفي، وأنا اتطلع إلى فرقة إعلامية كاملة لكي يستمد الروائيين حكاياتهم منها. ثم مداخلة من عضو إدارة أدبي حائل سالم الثنيان: يُلاحظ قاسم مشترك في إصداراتك ألا وهي الصحراء، ما السر في ذلك، ولماذا نحن منبهرون بالغرب ورافضون له؟أجاب الحبردي: تعلقي بالصحراء أمر عادي، لأني ولدت فيها، وأحببت صحراء النفود وهي أمي الثانية بما فيها من عطش وجوع. وبعد نهاية المحاضرة تم تشغيل عرض مرئي لبعض اللوحات التي رسمها الحبردي، وبعض الصور عن نباتات الصحراء والنفود والجبال والطبيعة الصامتة، وطواعية الحرف العربي والسراب، وشجرة الطلح ومملكة سبأ والشمس.