يمثل القطاع الخاص الكويتي نموذجا فريدا على مستوى دول المنطقة نتيجة ما حققه من انجازات على مدى اكثر من خمسين عاما تمثل جزءا هاما من التاريخ الحديث لدولة الكويت والذي يؤرخ له منذ اكتشاف النفط في اواخر الثلاثينيات من القرن الماضي وانطلاقته مع الاستقلال في الستينيات. ويذكر التاريخ ان رجال الاعمال والتجار والقطاع الخاص الكويتي كانت لهم العديد من المبادرات التى تدل على اتساع الافق والقدرة على قراءة المستقبل على الرغم من تواضع الامكانيات في الفترة التى اطلقت فيها هذه المبادرات. وتعتبر حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي الفترة الاهم في تاريخ القطاع الخاص الكويتي الذي حمل على عاتقه تأسيس مجموعة كبيرة من الشركات والمؤسسات الخاصة متحملا مخاطر الاستثمار في مجالات جديدة تماما ليس على مستوى المنطقة فحسب بل وعلى مستوى العالم حتى تجاوزت نسبة مساهمته في الناتج المحلي ال 70 في المئة. وتتعدد الامثلة في مبادرات القطاع الخاص الكويتي ومنها تاسيس اول شركة طيران حقيقية في المنطقة وكان ذلك في عام 1954 حملت اسم شركة الخطوط الجوية الوطنية الكويتية قبل ان تساهم فيها الحكومة لاحقا وتمتلكها بالكامل وفي نفس الفترة تقريبا بادر عدد من تجار الكويت بانشاء شركة تعمل في مجال نقل النفط ايمانا منهم بانه لا يجب ان ينقل نفط الكويت للعالم الا ناقلات كويتية. كما بادرت مجموعة من رجالات الكويت الاقتصادية بالحصول على ترخيص لانشاء اول بنك وطني في الكويت واول شركة مساهمة في المنطقة حمل اسم بنك الكويت الوطني. الا ان الفورة النفطية الاولى في السبعينيات من القرن العشرين والتى شهدتها الكويت كغيرها من الدول المنطقة النفطية ادت الى تراجع دور القطاع الخاص ودخول العوائد النفطية الحكومية كبديل له في الكثير من المشروعات وسيطرة القطاع العام على شركات ومؤسسات اسسها القطاع الخاص وتنازل عن ملكيتها لصالح الحكومة ممثلة في الهيئة العامة للاستثمار (الذراع الاستثماري للدولة) وهو ما ادى الى تراجع دور القطاع الخاص الكويتي وضعف مساهمته في الناتج المحلي. وادى ذلك حسب ما تشير الارقام والبيانات الرسمية الى انخفاض مساهمة القطاع الخاص في الانشطة الاقتصادية في الكويت اذ وصل متوسطها الى 35 في المئة في السنوات الاخيرة كما تركز نشاط القطاع الخاص في قطاعات اساسية هي التمويل والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال وقطاع النقل والمواصلات والاتصالات وقطاع تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق. وعلى الرغم من استمرار هذا الوضع خلال السنوات التى اعقب الفورة الاولى للنفط الا ان السنوات العشر الاخيرة اظهرت الحاجة الى ضرورة احداث تغييرات جوهرية في الهيكل الاقتصادي لدولة الكويت والقائم في احد اسسه على اتاحة المجال للقطاع الخاص للعب دور اكبر في النشاطات الاقتصادية للدولة. وعجلت الازمة المالية العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد المحلي بالمطالبات التى تدعو بضرورة افساح المجال اكثر امام القطاع الخاص من خلال تعزيز معدلات الانفاق العام الذي يعتبر المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي مع التركيز على الانفاق الاستثماري العام للتعجيل في تنفيذ المشاريع الكبرى وتشجيع الانفاق الاستثماري الخاص من خلال اعطاء القطاع الخاص دورا رياديا في تمويل بعض هذه المشاريع وتنفيذها وادارتها. وساهمت النجاحات التى حققها القطاع الخاص الكويتي خلال السنوات الاخيرة في تاكيد اهمية هذه الحاجة خاصة بعد سلسلة الانجازات الخارجية التى وضعت العديد من التساؤلات حول اتاحة الفرصة له للعمل داخليا ورفع معدلات مساهماته في الناتج المحلي وحجم مشاركته في الاقتصاد الكويتي. وبنظرة سريعة الى انجازات راس المال الكويتي خارجيا نجد الكثير من البنوك والشركات والمؤسسات المالية قد اثبتت تفوقا ملحوظا في التوسع الخارجي والانطلاق الى اسواق العالم شمالا وجنوبا شرقا وغربا مؤكدة عمق الفكر الاستراتيجي لرجال الاعمال الكويتيين وقدرتهم على اقتناص الفرص الاستثمارية وتحقيق النجاح تلو الاخر في الخارج. وكامثلة على توسع القطاع الخاص نجد شركة استثمارية مثل مشاريع الكويت القابضة التى كونت مجموعة عملاقة من الشركات في المنطقة العربية و بنك الكويت الوطني الذي حقق انجازات في الكثير من دول المنطقة وتركيا من خلال الاستحواذ على بنوك عدة الى جانب شركة الاتصالات زين التى دخلت ضمن قائمة اكبر شركات الاتصالات العالمية بسبب توسعاتها وشركة اجيليتي التى خلقت لنفسها موقعا هاما في قطاع الخدمات اللوجيستية ومشروعات مجموعة الخرافي في العديد من دول العالم. وخلال السنوات الاخيرة ايضا طالبت العديد من الدراسات والخطط التنموية سواء التى وضعتها جهات حكومية او محايدة بالتخفيف من سيطرة القطاع النفطي على الاقتصاد الوطني لتفادي تأثير تقلبات اسعار النفط على النمو واعطاء الأولوية للقطاعات غير النفطية وخاصة القطاعات ذات القدرات التنافسية لتكتسب مقومات النمو الذاتي بعيدا عن هيمنة القطاع النفطي بما يسهم في التحول التدريجي للاقتصاد الوطني من اقتصاد احادي المورد الى اقتصاد متعدد الموارد. وبينت هذه الدراسات انه بطبيعة الحال فانه لا يمكن الوصول الى تحقيق ما سبق دون ان يكون القطاع الخاص هو القاطرة التى يعتمد عليها في تحقيق هذه القفزة التى تحتاج اليها الكويت من اجل احداث التغيير المطلوب في ظل التطورات التى تشهدها المنطقة والعالم. وتطالب التقارير الاقتصادية المتخصصة باستحداث وتعديل عدد من التشريعات والقوانين التي تعكس وضوح السياسات والتوجهات العامة للدولة وترسخ مزيدا من الاستقرار والشفافية بهدف توفير البيئة الصحية الجاذبة لرأس المال الوطني والاجنبي والمعززة للثقة بأدوات وآليات السوق المالية.