تواجه غزة مجددًا موجة جديدة من العنف الوحشي، إذ استأنفت دولة الكيان الإسرائيلي بقيادة نتنياهو، حرب الإبادة على القطاع بعبثية لا تضاهى. فقد شنت القوات الجوية الإسرائيلية عشرات الغارات على غزة، ما أسفر عن مقتل قرابة 500 إنسان وإصابة المئات، والأعداد مرشحة للارتفاع لوجود المئات تحت الأنقاض، في هجوم جاء مفاجئًا ومنقلبًا على الاتفاق الذي أسفر عن وقف إطلاق نار دام 57 يومًا بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية. ويراكم الاحتلال الإسرائيلي المزيد من المجازر والمذابح التي تُرتكب بحق المدنيين الأبرياء، حيث لم تكن الضحايا مجرد أرقام، بل عائلات كاملة تفقد أفرادها في لحظات من الوحشية المطلقة. إن ما يشهده القطاع من دمار في البنية التحتية والمنازل والمرافق الحيوية يعكس بوضوح حجم العدوان الإسرائيلي الذي لا يتوانى عن استهداف الأبرياء، مما يجعل من هذا الهجوم جريمة حرب جديدة تستدعي إدانة وغضب المجتمع الدولي والرأي العام العالمي. ومن الجانب السياسي، يتضح أن قرار نتنياهو باستئناف الحرب على غزة يأتي بدافع التهرب من استحقاقات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، والتي تقتضي وقفًا دائمًا لإطلاق النار والانسحاب الكامل من القطاع، بما في ذلك محور فيلادلفيا. ما يجلب عليه تمرد شركاؤه من اليمن المتطرف وتعريض الائتلاف الوزاري الحاكم للانهيار، كما أن استئناف الحرب على غزة محاولة لتأجيل مواجهة قضايا "فساد نتنياهو" التي ينظرها القضاء الإسرائيلي بصورة مستمرة وعلى فترات قريبة. وفي بيان صادم، أعلن مكتب نتنياهو عن توجيه "تعليمات للجيش الإسرائيلي بالتحرك بقوة ضد حماس في غزة"، مما يوضح أن الأبواب إلى الجحيم ستُفتح إذا لم يُفرج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين. وقد استُخدمت لغة تهديدية تصف العملية العسكرية بأنها قاسية لا تعرف الرحمة، ما يزيد من معاناة سكان غزة الذين يعيشون تحت وطأة حصار خانق وحرب تجويع ممنهجة. على الرغم من حجم العدوان والمجازر المروعة، يبقى الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء دوامة العنف الدمار وإقرار تهدئة تفتح المجال لاستعادة الأمل في مستقبل أفضل. وفي هذا السياق، يبرز تساؤل حول إمكانية تخفيف حدة المواجهة إذا ما قررت حركة حماس التراجع جزئيًا وتفويض السلطة الفلسطينية والجهات العربية الموثوقة لإدارة مفاوضات المرحلة المقبلة مع إسرائيل. وكان بالإمكان أن تُترك لمصلحة الشعب الفلسطيني مهمة إدارة القطاع، مما كان سيخفف العبء عن حماس ويضمن تضافر الجهود الوطنية لمواجهة العدوان وفي ضوء التهرب الصارخ الذي يمارسه نتنياهو من استحقاقات المرحلة الثانية من الاتفاق، يصبح من الواضح أن استمرار التصعيد الوحشي العسكري لن يجلب سوى المزيد من الدمار والعنف. فالتهرب من الالتزامات الدولية وتحويل الأزمة الداخلية إلى أداة سياسية يعكس حالة انحدار أخلاقي وسياسي في القيادة الإسرائيلية، مما يزيد من تعميق الأزمة وإطالة أمد هذا الفصل المظلم من تاريخ المنطقة.