لاشك في أن تنظيم "القاعدة" تحول إلى عقيدة، أو منظومة فكرية، وإن شئت اصبح "فرنشايز" لتسويق الإرهاب، ولكن مَن الذي يدير "دكاكين القاعدة"ومن الذي يحرض ويدرب هؤلاء الشباب، ويطّور إمكاناتهم الفنية واللوجستية؟ ولمن تعود الفوائد من وراء هذه العمليات، وماهي الأهداف، بعدما انكشف أن شعار نصرة الدين مجرد كذبة؟ الأكيد أن الإرهاب الذي انطلق من أفغانستان، كان يتحرك بطاقة دينية ساذجة أو مغشوشة أو مغرر بها، وربما كان - في البداية- يدار من مجموعات معزولة عن تدخل أجهزة الاستخبارات، وعصابات المخدرات، لكن وضعه اليوم مختلف. فالإرهاب الذي نشهده لا يمكن أن يكون عبر مجموعات مطاردة، إذ أن مايجري هو عمل أجهزة مخابرات، و"القاعدة" بكل ما تمثله وتستدعيه في الأذهان اصبحت ستاراً لإخفاء حرب قذرة، تقف خلفها دول. داود الشريان تكسرت النصال على النصال، ووجد التنظيم أن جدار الأمن السعودي يستحيل اختراقه، لكنه بحكم النشأة الحركية والمداميك التي أرساها، والطموحات التي تعلق بها، لم ييأس، ومازال يحاول، ولن يتوقف عن المحاولة إلا حين يتأكد أن هدفه أصبح معروفاً للجميع، وأن وسيلته التي استغلها بطلت، وبضاعته كسدت. والآن أرجو أن تعود إلى مقدمة المقال لتتأمل "التمزيق" الذي يريده التنظيم لوطننا ولتدرك أن مسؤوليتنا الآن حكومة وشعباً تحتم علينا أن نستخدم ومن الآن ذات الآلية التي استخدمها التنظيم طيلة عقود وهي آلة الإلحاح وحتى المبالغة، هذه الآلية استخدمها التنظيم في توظيف الوسيلة، ويجب أن نستخدمها في كشف فظائع الهدف، لابد أن نلح من الآن فصاعداً على كشف هدفه الذي يسعى إليه وعلى المخاطر التي يريد أن يضعنا في أتونها، وعلى سقف الوطن الذي يريد أن يسقطه على رؤوسنا جميعاً، ولنضع استراتيجية فكرية شاملة تأخذ كل من مازال أسير وهم التبليس والتدليس في الوسيلة إلى أتون جحيم الهدف الذي يريد التنظيم وضع وطننا فيه من خلال إشغالنا بإثبات إسلامنا الذي لايحتاج إلى دليل ولا إلى دفاع. قينان الغامدي المهندس الفارسي كان يشرّح آلية خروج قرارات الاعتمادات، ويتأسف إزاء بُطئها.. فصرف الاعتمادات يستلزم مايزيد على العام منذ بدء طلبها، رضوخاً لمراحل تجهيز الميزانية التي تبدأ منذ منتصف شهر يونيو بمرحلة "مراجعة الخطط والأهداف" حتى الوصول إلى مرحلة "تنفيذ الخطط التشغيلية" في مايلي يونيو الذي يليه. إذا كان المهندس الفارسي، قد قال أخيراً ما عجز كثيرون عن قوله .. ليس لغياب المعلومة، بل لإحراجات المنصب وقيوده. فإن الخوف أن تكون تلك "الفصاحة" مدعاة لإنزعاج الجهات المعنية إزاء التقتير الذي يُمارَس في تقدير أحجام الاعتمادات المالية السنوية. أجزم بأن لوزارة المالية تفنيداتها وتبريراتها المنطقية التي تستحق بدورها النظر. لكن كل الرجاء ألا نبقى في ذات مربع انعدام الثقة، وقذف المسؤوليات كلٌ على الجهة الأخرى. المواطن صاحب المعاناة اليومية لم يعد يهمه أية جهة تستأهل أن تنال سهام التقصير أكثر من غيرها.. كل مابات يهمه أن تُفرج الأزمة التي تمسه في مسيرة يومه العادي .. وألا يُواجَه بوعود أكثرها تفاؤلاً: "خمسة وعشرين عاماً وسيُستكمل مشروع فكّ الاختناقات"! محمود عبد الغني صباغ