يؤمن هذا الفيلسوف العربي الكبير، بأهمية الثقافة المحلية في التدريس؛ إذ يعتقد أن الفرد الذي يهمل ثقافته المحلية التي نشأ فيها، غير قادر على الإبداع، ويصبح مجرد مقلّد، وتابع لثقافات أجنبية، تكبّله، وتحدّ من، أو تقمع قدراته الكامنة. وقد كان هذا جليّاً من خلال تدريسه لمقرر تذوّق القصة؛ ففي الوقت الذي كان الأستاذ الأمريكي في الشعبة الأخرى لنفس المقرر، يقدم ثقافة أجنبية من خلال قصص قصيرة لكتّاب أمريكيين وبريطانيين باللغة الإنجليزية، -وهذا طبيعي جداً لأستاذ يدرّس في قسم اللغة الإنجليزية، ولا غبار عليه، وربما يكون هذا هو المطلوب منه-، كان عبد الوهاب المسيري في الشعبة الأخرى، يقدّم قصصاً أخرى، قد يكون بعضها لنفس الكتّاب الأمريكيين والبريطانيين، لكنها بنكهة مختلفة. كان الأستاذ الأمريكي يدور في فلك الثقافة الأجنبية التي ينتمي إليها، وتنتمي إليها هذه القصص؛ بينما الأستاذ المسيري، قد تجاوز هذا الثقافة الأجنبية التي يعرفها جيداً، إلى عقد مقارنة مع الثقافة العربية والإسلامية، التي ينتمي إليها الطلاب، الذين يدرسون عنده في هذا المقرر، وينتمي لها هو أيضاً. وجد الطلاب أنفسهم أمام فضاء ثري واسع مليء بالتأمل الناقد للثقافة الأجنبية والثقافة التي تمثّلهم. يؤمن المسيري بأهمية تدريب الطلاب على طريقة التفكير بعيداً عن ثنائية الموضوعية والذاتية التي أفسدت التفكير في العالم الثالث. يقول المسيري إنه تحت شعار الموضوعية، أصبحنا نرى أشخاصاً "متخلِّفين عقليا" ينقلون حرفيّاً ما يأتي من الغرب؛ وتحت شعار الخوف من الذاتية، والاتجاه بغير وعي، نحو قمع الذات، وقع الناس في الذيلية (التبعية) الكاملة للغرب. كان المسيري في تدريسه للطلاب السعوديين، ينطلق من الثقافة التي يملكها هؤلاء الطلاب، ثم يقارنها مع الثقافة الأجنبية، التي تمثّل السياق لهذه القصص التي يدرسونها، فيتعلّم الطالب مرّتين، في الوقت الذي كان فيه الأستاذ الآخر، محصوراً في ثقافة واحدة، لسبب بسيط، هو أنه لا يملك المعرفة العميقة بالثقافة المحلية للطلاب الذين يدرّسهم، وفاقد الشيء لا يعطيه، كما يقولون. هذا لا يعني أي انتقاد لذلك الأستاذ الأمريكي، ولكنها ظروف فرضت نفسها على الموقف. يسترجع المسيري تجربته التدريسية مع طلاب جامعة الملك سعود، وتحديداً في هذا المقرر، قائلاّ إنه أصابه الذهول من معرفة الطلاب بالقرآن الكريم، والسنّة، وقصص التراث العربية، والإسلامية، التي كانت تفوقه شخصياً، إذ كان الكثير من هؤلاء الطلاب، يستخدمها في تحليل القصص الغربية. يقول المسيري:" كنت أبدأ دروسي عادة بقصص من التراث مثل قصة حاتم الطائي وفرسه أو قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع المرأة التي كانت توهم أطفالها الجياع بوجود طعام في القدر الذي وضعته على النار. عندما كنت أبدأ من الذات الإسلامية كان الطلاب يبدون نشاطاً ذهنياً مذهلاً." يصف المسيري هذا الموقف الذي عايشه في السعودية، قائلاً: إن غياب الأرضية المشتركة بين الطلاب وأستاذهم الأمريكي البروتستانتي، أدّى بالطلاب إلى قمع ذاكرتهم التاريخية والدينية، الأمر الذي يؤثّر عليهم سلبياً، ويحدّ من قدراتهم الذهنية.