يشهد الخامس عشر من أغسطس الحالي انطلاق منافسات الدوري الممتاز في كل من إنكلترا واسكتلندا، لكن بداية هذا الموسم ستشهد دقيقة توحد بين اثنين وثلاثين ناديا وملايين الجماهير حول العالم، حيث سيقف الجميع ويصفق احتراما لمسيرة شخص لمس قلوب الناس ببساطته وتواضعه وحبه الجم لكرة القدم، ناهيك عن انجازاته العديدة. توفي السير بوبي روبسون في أخر أيام شهر يوليو من هذا العام عن عمر يناهز 76 عاما بعد صراع طويل ومرير مع مرض السرطان، لكن الدموع لم ترافق وفاته لأنه كان وسيبقى مصدر الفرح والابتسامة لكل من يهوى كرة القدم حول العالم. عشق روبسون لكرة القدم بدأ في أربعينيات القرن الماضي حين كان والده يصحبه لحضور مباريات نيوكاسل يونايتد على ملعب سانت جيمس بارك، ليكون ذلك الهاما قاده لخوض مسيرة احترافية كلاعب جناح مهاجم مع أندية فولهام ووست بروميتش ألبيون وفانكوفر رويالز، كما أسهم تألقه المستمر في منحه شرف تمثيل بلاده في 20 مباراة، ضمت بينها مشاركتان في كأسي العالم 1958 و1962. إلا أن سنواته الثماني عشر كلاعب لم تحمل له أي بطولة أو لقب، لكن كل ذلك تبدل حين بدأت مسيرته التدريبية التي جعلته أنجح مدرب إنكليزي درب خارج إنكلترا، إضافة لكونه أفضل مدرب في تاريخ المنتخب الإنكليزي بعد السير ألف رامزي الحائز على كأس العالم. ورغم أنه أقيل من أول عمل له كمدرب لفولهام، إلا أن القدر كان يخبأ له شيئا أهم حين قرر نادي ابسويتش تاون وضع ثقته بالمدرب الشاب الذي رد الجميل عبر قيادة النادي إلى أنجح مرحلة في تاريخه تمثلت باحرازه للقب كأس إنكلترا للمرة الأولى والوحيدة حتى الأن وذلك في عام 1978، قبل أن ينقله روبسون خطوة إضافية إلى الأمام عبر الفوز بلقب كأس الاتحاد الأوروبي عام 1981 على حساب ألكمار الهولندي. أسهم نجاح روبسون الكبير في بورتمون روود بتشجيع الاتحاد الإنكليزي على تعيينه مدربا للمنتخب الإنكليزي مباشرة بعد خروج منتخب الأسود الثلاثة من كأس العالم 1982. ورغم أن بوبي لم يخسر سوى لقاء وحيدا في 28 مباراة تصفيات خاضها مع المنتخب، إلا أن تلك الخسارة الوحيدة أمام الدنمارك ادت الى اقصاء الإنكليز من المشاركة في كأس أمم أوروبا عام 1984. حظ روبسون كان قليلا في كأس العالم 1986، حين اسهمت يد وعبقرية مارادونا في إقصاء المنتخب الإنكليزي من ربع نهائي البطولة، إلا أن رد المدرب أتى مثاليا في عام 1990 بقيادته المنتخب إلى نصف نهائي البطولة، حيث وقفت ركلات الترجيح وحدها في وجه وصوله إلى نهائي كأس العالم لأول مرة منذ 24 عاما. وكانت نهاية علاقته مع المنتخب بداية عصر جديد من النجاحات المميزة في القارة الأوروبية والتي بدأت مع إيندهوفن الهولندي، ليحرز معه بطولة الدوري مرتين متتاليتين عامي 1991 و1992 مع تشكيلة ضمت حينها البرازيلي الموهوب روماريو. وبعد تجربة قصيرة وغير ناجحة مع سبورتنغ لشبونة البرتغالي، تولى روبسون تدريب بورتو ليحرز لقب الدوري في موسمين متتاليين، إضافة للقب كأس البرتغال. وقد أسهمت نجاحاته تلك في أن يسارع برشلونة الاسباني الى ضمه عام 1996 ليحرز لقب كأس إسبانيا، وكأس السوبر الإسبانية، فضلا عن كأس الكؤوس الأوروبية في تشكيلة ضمت شابا برازيليا يافعا يعرف باسم رونالدو. وقد أدت تلك البطولات الى منحه لقب أفضل مدرب في أوروبا حينها. وبعد الرجوع لفترة قصيرة إلى ايندهوفن، عاد روبسون إلى إنكلترا ليعمل مع الاتحاد الإنكليزي، إلا أن القدر كان ليمنحه سعادة لاتقدر بثمن، فبعد مرور أكثر من خمسة عقود على بدء حبه لنيوكاسل يونايتد، طلب "الماغبايز" منه أن يتولى تدريب الفريق عام 1999 إثر استقالة الهولندي رود خوليت. وقد تمكن روبسون في أول مباراة له هناك من قيادة نيوكاسل لفوز عريض على شيفيلد وينزداي 8-صفر. ونجح روبسون خلال السنوات الخمس التي درب فيها نيوكاسل في قيادته مرتين إلى التأهل إلى مسابقة دوري الأبطال، إلا أنه ترك النادي عام 2004 إثر خلاف مع مالك النادي فريدي شيبارد. ورغم استفحال مرضه وتدهور صحته، أبى روبسون أن يبقى بعيدا عن محبوبه نيوكاسل ومعشوقته الكرة، ليستمر في حضور مباريات الماغبايز على مدرجات سانت جيمس بارك التي حرصت جماهيره دوما على استقباله بأجمل وأرقى تحية. ورغم انجازاته الكبيرة وتطويره لمواهب العديد من اللاعبين مثل روماريو ورونالدو واكتشافه للمدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، إلا أن الجميع سيذكر روبسون بفضل روحه المرحة وعشقه لكرة القدم وحبه للحياة التي لخصتها الكلمات التالية التي قالها حين لم يعد من الممكن التغلب على مرضه، "اعلم بأنني سأرحل عن هذه الدنيا قريبا، وهذا هو حال البشر، لكنني سأغادر هذا العالم وأنا مدرك بأنني تمتعت بكل لحظة قضيتها خلال حياتي". السير بوبي روبسون 1933-2009