اتفق المشاركون في ندوة "أنسنة المكان في الإبداع"، التي أقيمت مساء اليوم ضمن الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض جدة للكتاب، ونظمها النادي الأدبي الثقافي بمكة ، على أثر المكان على الإنسان من حيث تشكيل هويته وسماته وبواعث إبداعه الأدبي والفني.. وشارك في الندوة الدكتورة كوثر القاضي، والدكتورة فايزة الحربي، بجانب الدكتور أحمد العدواني، فيما أدارتها الدكتورة صلوح السريحي، التي وطّأت للنقاش بالإشارة إلى أن الإنسان يرتبط بالمكان ارتباطًا وثيقًا يتأثر به ويؤثر فيه وتنشأ بينهما تبعًا لذلك علاقة تبادلية تسير في اتجاهين متوازيين، فيسهم المكان في تشكيل الإنسان ويطبع وعيه وفكره وهويته بطابعه، تاركًا بصماته شاهدًا على تأثيره فيه، ويسهم الإنسان بدوره في المكان ويطوع بيئته وخصائصه وإعماره، وتعد آثار حضوره شاهدة على محاولة التطويع، وإسقاط بعض من ذاته وإحساسه ومشاعره على وجود الإنسان إلا من خلال المكان فيصبغ عليه الأنسنة لذلك لا تبدو قيمة المكان إلا من خلال علاقته بالإنسان.. مفسحة المجال من ثمَّ للدكتورة كوثر محمّد القاضي، التي ابتدرت الحديث متسائلة: ماذا نعني بأنسنة المكان الروائيّ؟ وما هي الروايات السعودية التي يمكن الإشارة إليها تحت هذا المصطلح؟ ماضية إلى القول: الأنسنة ظاهرة عامة في الفن، والفنانين، وحين تؤنسن الأمكنة والحيوانات والطيور والأشياء وظواهر الطبيعة، يخضعها المبدع لعملية تفاعل حميمة مع الإنسان، لتحقق الدور الإنساني الذي أسنده إليها حين طمح إلى تشكيلها تشكيلاً إنسانيًا ذي ملامح محددة، وتعابير بيّنة، في عمله الإبداعي، يمنحها وهو في ذروة حالته الانفعالية خاصيته الإنسانية. وتتابع مضيفة: تعتمد عملية الأنسنة على إطلاق خصائص الإنسان الجسدية والنفسية على المؤنسَن، وهنا يكتسب المكان خصائص الجسد الإنساني، فضلًا عن قرائن الجسد، المتمثلة في الجمال والصوت واللباس…الخ. وتمثّل الأنسنة أكثر التقنيات الفنية فاعلية في الخروج عن محاكاة الواقع، نحو رؤية العالم من منظور فني قائم على الجِدة والإثارة، يكتسب من خلالها المغاير للإنسان صفات الإنسان، ويتصرف تصرفاته. وتستطرد القاضي قائلة: ويسعى الكاتب وراء توظيف هذه التقنية في نصوصه إلى منح تلك النصوص التميز الجمالي والفني إلى جانب تمكين قدرتها على التأثير في المتلقي. ويعد المكان مكونًا محوريًا في العمل السردي؛ لكونه يدخل في علاقات متعددة مع الشخصيات والأحداث والزمن الروائيّ، وهو يشكِّل البِنية الرئيسة في الإنتاج الروائي لا في بلادنا فحسب، بل في كل بلاد العالم. ولا أعتقد أن كاتبًا تميّز بتوظيف البيئة المكانية كعبدالعزيز مشري وعبده خال. وتتابع القاضي حديثه متناولاً محور خصوصية الرواية السعودية الحديثة، ومدى تطور استخدامها للتقنيات السردية في إعادة تشكيل المكان (جدة)، قائلة: في الإجابة عن هذا السؤال بالذات ينبغي أن نذهب إلى الروايات الحديثة والمعاصرة؛ حيث تنبَّه الروائيون السعوديون إلى أهمية المكان ليس كفضاء تدور فيه الأحداث فحسب، بل كشخصية فاعلة، وبالطبع أنا في ذلك لا أسلب عبدالعزيز مشري حقه في أنه من أوائل الكتّاب الذين تنبهوا لذلك، ولكن كان ذلك محصورًا في القرية الجنوبية، وليس في جدة مدار حوارنا الآن. من جهته قدم الدكتور أحمد العدواني، شكره وتقديره لنادي مكة الادبي على تنظيم هذه الندوة وخص بالشكر رئيس النادي الدكتور حامد الرباعي ثم قال : الإنسان كائن مكاني بامتياز، يتجدد وجوده في أبعاده الثلاثة الأولى من خلال محددات إدراك مكانية، وعلاقة الإنسان بالمكان جدلية متبادلة، فالمكان يسهم في تشكيل هوية الإنسان وسماته ومظهره وحتى طبائعه، وفي المقابل فإن الإنسان خلال تجربته المعيشية يسقط على المكان ذاته ويمزجه بتجربته الخاصة. ويمضي العدواني قائلاً: كما أضفى الإنسان على الأفكار المجردة صفات مكانية يجسدها مكانيًا، ويتجلى المكان من خلال الخطاب الوصفي في الرواية، من رواية تقليدية، ورواية واقعية، ورواية عاطفية، ورواية تيار الوعي، والروايه العجائبية وغيرها من الروايات. وترى الدكتورة فايزة الحربي أن لمدينة جدة خصوصية بوجود البحر، فجيل الرواد تغنوا بجدة؛ كالعواد، ومحمود عارف، وثريا قابل، ولا يوجد أي شاعر بالحجاز إلا وله قصيدة أو ديوان عن جدة، فهي ملهمة للشعراء. واستهدت الحربي على فرضيتها بعدة قصائد عن جدة، ماضية إلى القول تأسيسًا على ذلك: تعلق الشعراء بجدة كتعلق العاشق بمحبوبته؛ فهي مدينة جميلة وجاذبة، مدينة للبهجة والجمال ببحرها وشواطئها، وتجلت كذلك في شعر الشعراء المحدثين.