التفاؤل في مجالات الحياة أمر مهم، فهو يبعث الأمل في النفس، ويدفع إلى الإيجابية والعمل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل ويدعو إليه، سيما وأن الواقع بحاجة إلى ذلك، وكل هذا لا يتعارض مع توقع الأسوأ، وأن الشخص يوطّن نفسه على الحوادث والوقائع والفقدان، حتى لا يصطدم بأمر يخرجه من طور العقلانية والهدوء والحكمة إلى دائرة الانفعال والهجوم والحدّة، ومع ذلك فقد تأتي حوادث ووقائع تكون خارجةً عن مألوف العقل والتصور، يقوم بها أشخاص نُزعت من قلوبهم الرحمة، يغالطون بها سنة الحياة وفطرة النفس البشرية، فمهما توقع الإنسان من مصائب وجرائم فلن يتبادر إلى ذهنه أن يقوم شخص بعد مرور ستة أيام من زواجه إلى قتل زوجته التي استأمنته على نفسها وحياتها، ستة أيام فقط كانت كفيلة بحدوث هذه الفاجعة، وقد كانت قبل ذلك آمنة مطمئنة في بيتها مع والدها ووالدتها وإخوانها وأقاربها تضحك وتتسامر لأنها مقبلة على فرحة العمر أو التي كانت تظنها كذلك، ولكنها أصبحت وداع العمر، ستة أيام لم ينته بها فرح أهلها بزواجها وانتقالها إلى بيتها، فما زالت الفرحة تغمرهم وما زالوا يتذاكرون جمال ليلة الزواج ومواقفها وأحداثها، أغمضت روان عينيها وهي لم تهنأ بزواج ولم تنعم بحياة، رحلت حتى قبل الوداع، وما أصعب الفراق دون وداع، ولإن كان الطلاق أبغض الحلال عند الله، فهو في هذا الموقف أمنية تمنّاها لها أهلها عوضاً عما حدث لها، رحم الله روان، وألهم أهلها وأقاربها الصبر والسلوان، وجبر الله مصابهم، وأحسن عزاءهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وبعيداً عن تحقيقات النيابة العامة وما ستؤول إليه، وما ينتهي عليه حكم المحكمة المختصة في هذه الواقعة، إلا أنه لا بد لنا أن نستحضر موقف الشريعة الإسلامية في التعامل مع الجاني القاتل، والأمر في هذا الصدد له ثلاث حالات: الأولى: إما أن يقتل حداً وهو الأمر الذي تكون معه الجريمة من جرائم الحدود، وهو حد لا يدخله العفو من أولياء المجني عليه، الثانية: أن يقتل قصاصاً، وهو أن يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه، وهذا الأمر يدخله عفو أولياء الدم، الثالثة: أن يقتل تعزيراً، وهو أن يرتكب جريمة خارجة عن الحدود والقصاص ويصل حكم القاضي فيها إلى القتل، وعقوبات التعزير يدخل فيها عفو ولي الأمر إن رأى مصلحة راجحة في ذلك، كما أن قتل الغيلة عدّه بعض العلماء من قبيل حد الحرابة التي لا مجال للعفو فيها، وهو أن يستأمن المجني عليه على نفسه وحياته مع الجاني فلا يخاف منه غدراً ولا غيله. أخيراً نسأل الله تعالى لروان الرحمة والمغفرة وأن يسكنها فسيح جناته وأن يرزقها نعيماً أضعاف ما وجدت من ألم، وأن يلهم ذويها الصبر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.