الكيانات الاستثمارية لا تدير أموالها في جزر منعزلة؛ إنما عيونها على الفرص المتاحة، وأكثر من ذلك، تتسع حدقاتها الاستثمارية على النماذج الحية للتنمية النشطة في الدول، وتمعن في قراءة وتحليل بيانات المؤسسات الاقتصادية الدولية، ومؤشرات التنافسية العالمية. فماذا عن التجربة السعودية في التنمية والاستثمار، التي انطلقت بقوة في بناء اقتصاد المستقبل؟ رغم تراجع الاستثمارات عالميا متأثرة بتداعيات جائحة "كوفيد19" عام 2020 كحالة استثنائية ، فإنها بحسب التقارير الدولية والخبراء، ستتعافى من تلك التأثيرات السلبية على المدى المنظور خلال سنوات قليلة، وستكون العودة أكثر طموحا وأكبر استثمارا؛ لذا يمكن قياس حجم الاستثمارات العالمية وفق بيانات منظمة الأممالمتحدة للتنمية "أونكتاد" لعام 2019م، التي بلغت نحو 1.4 تريليون دولار موزعة على خارطة الاستثمار في العالم. وعلى امتداد هذه الخارطة، تقدم المملكة من خلال رؤية 2030، نموذجا رائعا للطموح والإنجاز غير المسبوق بالمقاييس المحلية والعالمية، والذي يفتح شهية الكيانات الاستثمارية في العالم، والشاهد على ذلك واقع التنمية الطموحة وطرح نموذج متقدم لاقتصاد المستقبل، وثانيا الاهتمام المتزايد من دوائر الاقتصاد والإعلام في العالم بما تصنعه السعودية في حاضرها؛ من أجل اقتصاد المستقبل. هذا الحراك التنموي يغير صورة الاقتصاد النفطي رغم استمرار أهميته وعوائده ودور المملكة الرئيس في استقرار إمداداته لماكينة الاقتصاد العالمي، إلى اقتصاد المعرفة والصناعات المتقدمة والطاقة النظيفة، ومدن المستقبل القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتوفير أعلى معايير جودة الحياة؛ انطلاقا من مشروعات نيوم، والبحر الأحمر، وآمالا، واستراتيجية تطوير الرياض، وجعلها ضمن قائمة المدن الاقتصادية العشر الأكبر في العالم. فالإصلاحات وخطوات التطور، التي تنجزها المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين، حفظهما الله، تحظى بإشادة واهتمام المجتمع الدولي منذ انطلاق رؤية 2030، التي يقود مستهدفاتها الطموحة مهندس الاقتصاد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يفاجئ الجميع بحلقات متصلة من القرارات التاريخية والمشاريع الكبرى الجديدة، التي جذبت اهتمام دول العالم المتقدم؛ لتحقيق شراكات اقتصادية مع المملكة، لثقتهم في طموح التجربة السعودية، وقوة الاقتصاد، وتأكيد الشفافية. خطوات سعودية استباقية في رأي خبراء الاقتصاد، تتميز رؤية المملكة 2030، ليس فقط في استشراف مقومات التنمية المستقبلية، وما تتطلع إليه المملكة من مكانة عالمية، إنما رافعة قوية لإطلاق طاقات ومقدرات الوطن وثرواته الطبيعية، ومن قبل ذلك الثروة البشرية، وهي الأهم في مسيرة التطوير، لتقديم نموذج متميز لاقتصاد المستقبل والنماء المتنوع في أنحاء المملكة، من خلال المبادرات الاستباقية؛ لإعادة صياغة أهداف الاستثمار وتوجيه بوصلته إلى التقنيات المتقدمة بما يخدم كافة القطاعات، والمشاريع الضخمة ورؤيتها التصميمية، كما هو الحال في المدن الذكية، وليس آخرها مشروع " ذا لاين " و"كورال بلوم" وغيرهما من مشروعات تنجز على أرض الواقع بحدود عالية من الإبهار، وتعزز الرصيد المتراكم من توطين التقنية والخبرات، ومحفزات وفرص واسعة للقطاع الخاص السعودي. مركز الأعمال الاقتصادية وسعيًا للإسهام في تمكين القطاع الخاص، وتسهيل ممارسة الأعمال، أطلق المركز السعودي للأعمال الاقتصادية مبادرات قوية لتسهيل ممارسة الأعمال في جميع مراحلها، من خلال تقديم كافة الخدمات التي يحتاجها المستثمر أو رائد الأعمال لإنجاز أعماله في مكان واحد، بالترابط والتكامل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، وذلك من خلال مراكز الخدمة الشاملة المتوفرة حاليًا في ثلاث مدن، هي: الرياض والدمام وجدة، أو عن طريق الخدمات الإلكترونية. وقد تم إطلاق خدمات المركز السعودي للأعمال الاقتصادية بشكلها الحالي في شهر مارس من عام 2020، وتم تقديم أكثر من 80 ألف خدمة من خلال قنوات المراكز المختلفة في تلك الفترة، وتبلغ عدد الخدمات الإلكترونية التي يقدمها المركز أكثر من 200 خدمة. وقد أثمرت جهود المركز بتقليص مدة بدء العمل التجاري من 15 يومًا إلى 30 دقيقة فقط وبخطوة إلكترونية واحدة، كما مكّن المركز رواد الأعمال من استخراج السجل التجاري خلال 180 ثانية فقط، مما أسهم في تقدُّم المملكة 103 مراتب في مؤشر "بدء النشاط التجاري" في تقرير ممارسة الأعمال 2020 الصادر عن مجموعة البنك الدولي، كما سبق، وافتتح وزير التجارة الدكتور القصبي مركز "ذكاء" الذي يعد أول مركز متخصص في المملكة؛ لتمكين المنشآت ورأس المال البشري بعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي، ويهدف إلى خلق شركات ابتكارية ناشئة، وزيادة كفاءة المنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال حزمة من البرامج لخدمة وتطوير المستفيدين.