فكم نعمة حولك لا تعرف قيمتها وهى حلم بالنسبة لجائع وكم منبر إعتلاه منافق ليناشد العالم كله على ضرورة التضامن مع الفقراء وهو لا يعرف معنى الفقر. يتحدث عنه داخل أفخم الفنادق، ثم يستقل سيارته الفارهة ويمضى لتناول أشهى المأكولات مع أبنائه، فى وقت يهرب رجلا آخر يسكن المقابر من نظرات أبناءه الجائعين المنتظرين لأنه ببساطة لم يستطع كسب قوت يومه ليطعمهم. كفى متاجرة بآلام الناس، فأنت لا تعرف معنى الانكسار أمام الديانة، ولا تعرف الخوف من الصباح الذى يأتى محملا بأوجاع ومتطلبات تفوق الوصف، كفى شعارات كاذبة من مدعين الفضيلة الذين لم نرى أى واحد منهم يوم يشارك الفقراء ولو بقطعة ملابس مستعملة بدلاً من ملابسهم الممزقة التى لا يستطيعون شراء غيرها. اكتفى بعض الأغنياء بشراء ملابس ممزقة من أفخم الماركات تضامناً مع الفقراء وتحولت ظروف الآخرين لديهم إلى ظاهرة يمكن إستغلالها، فى وقت لم يفكر أي منهم المساهمة في عمل واحد خيرى، إرفعوا أيديكم الملوثة عن قضية الفقر فالحكم بين يدي قاضي السماء، فلن ينسى الفقير لكم يوما نظرات الاحتقار والتقليل من شأنه فقط لأنه لا يملك المال! لا تتحدث عن الخوف وأنت آمن.. مادامت أسرتك حولك بخير فلا يحق لك أن تذكر الخوف فأنت لم تجرب الخوف من أن تصبح رقماً من بين آلاف الأرقام للاجئين على الحدود ولم تجرب إحساس البحث عن أشلاء أسرتك بين الركام الهائل بعد أن هدم صاروخ منزلك وأنت نائم ولم تشعر بقهر الرجال وهم مكبلون ولا يستطيعون الدفاع وحماية عرضهم الذى ينتهك على يد قوات العدو صدقني لم تعرف قط الخوف من التفاف حبل المشنقة حول رقبتك فى أية لحظة وأنت مظلوم ولا مرور لحظات مخيفة أمام غرف العمليات خشية أن تفقد أحدهم بداخلها. ولا الخوف من إنتظار الموت الذى سيحضر لأخذك فى أى لحظة بسبب مرض عضال يفتك بأعضاء جسمك. لم تشعر بشيء من الخوف طالما لم تمر بتجربة تفقد فيها إنسانيتك بعد أن يمارس كل ألوان العنف ضدك فقط لأنك صاحب رأي. لا تتحدث طالما لم تجرب الخوف من رياح الشتاء الباردة القادمة بقوة على من يفترشون الشوارع ولا يجدون غطاء. واحمد الله لأنك لم تجرب أن تصرخ صرخات المختطف الخائف من مصير مجهول أو المغتصبة التى لم تجد من ينقذها من أيدي الذئاب البشرية أو المغترب الذى دفن أحد أفراد أسرته وهو بعيد لا يستطيع توديعه ولا صرخة الخوف ممن فقدوا ذويهم أمامهم فى حادث مروع.