نحن المسلمون نتباهى بأننا الأمة التي تشهد على جميع الأمم «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» ولكن.. كم من هؤلاء المسلمين توقف عند المعنى الحقيقي لهذه الوسطية، وعمل به فعلا !! بالرغم من أن التاريخ الإسلامي قد شهد حالات من الغلو أحياناً والإفراط والتفريط أحياناً. لكن الأمر في الغالب قد استقر على التوسط في جميع مجالات الحياة العقدية والفقهية والفكرية والسلوكية والسياسية وفي العلاقة بغير المسلمين. إن نقطة الوسط في العموم هي أبعد نقطة عن الطرفين . فإذا مالت هذه النقطة أو رحلت إلى أحد الجانبين فلن تعتبر وسطاً أبداً .. الإنسان لو اعتدل فقد فاز وكان خير الشاهدين. أما إذا مال إلى ناحية فكيف يكون من الشهداء الذين أشار اليهم رب العالمين؟ . وفي سورة الفاتحة دعاء وابتهال إلى رب العباد أن يهدينا إلى الوسطية التي أنعم الله بها على من اختارهم من العباد « اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ» إن مسار وسائل الانتقال هي خير مثال على المقال. فلو أن وسيلة النقل سارت في طريقها ستصل بأمان ، أما لو انحرفت عن المسار ، إلى اليمين أو إلى الشمال فإن العواقب وخيمة لا محال المفهوم الصحيح للوسطية لا تعني الوقوف متوسطين بين الكفر والإيمان، ولا الوقوف بين الأوامر والنواهي ، بين الأخذ بها كاملة أو تركها كاملة. بل هي التوسط فلا إفراط ولا تفريط. لأن هذا ما تحتاجه البشرية لتعيش حياة آمنة مطمئنة. الوسطية هي الاعتدال في كل أمور الدين والدنيا من تصورات وأفكار ومناهج ومواقف، وهي بحث مستمر ومتواصل عن الصواب في التوجهات والاختيارات، فهي ليست مجرد موقف بين التشدد و الانحلال، بل منهج فكري أخلاقي وسلوكي. والأمة الإسلامية جعلها الله أمة وسطية لأن الأصل في الأشياء مباح إلا ما كان هناك نص على تحريمه فديننا الحنيف أباح لنا كل الأمور طالما أنه لا يوجد مانع يحرمها ، فلا يصح التشدد ولا التساهل ، ولا تضييق الواسع أو تحريم المباح. ولا يؤخذ بالغلظة والفظاظة في الدعوة والمعاملة أو بسوء الظنون أو الوقوع في هاوية التكفير. الوسطية هي إنصاف للمرأة شقيقة الرجل بعيداً عن تقاليد وعادات موروثة ليست من الإسلام في شيء، وعن الأفكار الغريبة التي تريد أن تسلخ المرأة عن قيمها. وهي حسن الظن وفي نفس الوقت هي تبين الحقيقة إذا ماجاءنا فاسق بنبأ . الوسطية هي أن نتوسط بين الدعوتين الفلسفيتين .. 1- إعطاء الفرد الحق في كل شيء ولو على حساب المجتمع . 2- أعطاء المجتمع الحق في كل شيء ولو على حساب الفرد. وهي العلم ابتغاء العمل الذي يُرضي الله ، والعمل على أن نتعلم ما فيه رضاء الله. الوسطية ينبغي أن تكون حاضرة في تربية الآباء في البيت، في المناهج التعليمية في المدرسة، وبين صفوف العاملين في العمل، على منابر الخطباء في المسجد ، وبين البائعين والمشترين في السوق، ومن المهم جداً أن تكون في وسائل الإعلام باختلاف نوعياتها. نحن لسنا بحاجة إلى مقررات دراسية عن الوسطية والاعتدال، نُدرسها للطلاب، ولكننا بحاجة إلى نشر ذلك كثقافة ينبغي أن تمثلنا ، كمنهج قولي وفعلي، نستحضره في كافة المجالات ، نقدمه عطاء واضح سليم تتربى عليه الأجيال وتفوز برضا الله الكريم المتعال وتحظى بخير وعز وتوفيق واعتدال راسخ رسوخ الجبال. خلاصة القول يا جماعة.. الوسطية هي الموازنة بين الثوابت والمتغيرات في كل أمور الحياة. [email protected] تويتر [email protected]