خجل الطفل من ظهور أمه في محيطه الاجتماعي وأمام أصدقائه ظاهرة منتشرة عند الصغار والمراهقين، تتعدد أسبابها بين رغبة في إثبات الذات وفق مقولة “أنا رجل”، أو تماهيًا مع العادات المجتمعية ، وأحيانًا خجلًا من مستوى أو عمل الأم، أو عدم تقدير لمكانتها، “البلاد” استطلعت آراء أمهات حول تجاربهن الشخصية، كما استعانت بعدد من المختصين للوقوف على أسباب الظاهرة، واستخلاص أبرز الحلول لمواجهتها وتصحيح المفاهيم؛ تحقيقًا للسلامة النفسية والمجتمعية لجيل المستقبل. يخجل مني تروي أروى أحمد قصة شقيقها الذي يبلغ من العمر 11 عامًا، الذي يخجل أن يراه أصدقاؤه معها في المدرسة، وهي تقوم بإيصاله في سيارتها، ودائما يتذمر ويمتنع عن الذهاب معها لهذا السبب. الفكرة تغيرت أما عهد محمد، المقيمة في نوتنجهام، والأم لطفلين اضطرتها الظروف لإيصال أبنائها يوميًا الى المدرسة، تقول: ” كان ابني يخجل إذا اصطحبته للمدرسة أو للتسوق، كانت فكرة “أنا رجل” في محيط الأسرة راسخة في ذهنه، إلا أن ظروف الحياة في الغربة غيرته تمامًا؛ لأن التوعية هناك كان لها دور كبير في إصلاح تلك المفاهيم الخاطئة. التربية والتدريس ويرجع الكاتب الصحافي عبد الرحمن المرشد سبب خجل الطفل في التعريف بمحيطه أو ما يسمى بفقدان الجرأة الأدبية إلى أسلوب التربية والتدريس، ويضيف: نحن دائمًا ننهر الطفل عندما يريد التعبير عن رأيه ونقول له أسكت، هناك من هو أكبر سنًا يتحدث، ونعتقد أن هذا من تمام الأدب ، وأنا لا أطلب بتجاوز الأكبر سنًا، لكن من حق الطفل أو الولد و البنت إبداء آرائهم في حضور الأكبر سنًا، كما أننا في المدرسة لا نعطي فرصة للطلبة والطالبات بالحديث والتعبير، مما زرع لديهم “الرهاب الأدبي”؛ بحيث تجدهم لا يستطيعون الحديث أمام جمع بسيط، أو ربما تخونهم العبارات لو التقتهم إحدى قنوات التلفزيون في لقاء عابر. إثبات الرجولة ويعتقد الاستشاري الاجتماعي والأسري الدكتور شجاع القحطاني، أن الطفل في هذه الحالة لا يكره والدته أو يخجل منها، إنما يريد أن يثبت لأصدقائه أنه رجل يُعتمد عليه، مشيرًا إلى أن الآباء رسخوا في عقول أبنائهم الذكور أن الرجل هو المتسيد دائمًا، موضحًا بأن الجانب التوعوي في هذا الأمر مغيب سواء في المدرسة أو في محيط الأسرة، مؤكدًا أنه كلما شعر الطفل بأهمية الأم ومكانتها الذي يبدأ من المنزل، سوف تكون فخرًا بالنسبة له أمام أقرانه، وأن المشاهد لدينا كثيرة في تعلق الطفل بوالدته، لكنه يريد إثبات وجوده، وهناك حالات أخرى قد يبتعد الطفل عنها بسبب تعنيفها له. وأسباب أخرى ومن وجهة نظر نفسية تؤكد استشارية الطب النفسي والإدمان الدكتورة فاطمة كعكي، أن خجل الأولاد سواء من الأم أو الأب، من الأمور الصعبة على الوالدين، خصوصًا إذا شعر أي منهما بذل. وتفسر خجل الطفل من أمّه أو أبيه بسبب وظيفتهما التي عملا بها، ومن رزقها أكل وشرب ولبس وكبر وتعلّم، لكنه اليوم فقد معرفة قيمتها، كما فقد الإحساس بقيمة ما قدّمه الأب والأم من تضحيات. تضيف كعكي: “تراه في أيِّ مكان يبتعد عن تعريف الناس بأمّه أو أبيه، وإذا عرّف بهما فإنه يُعرِّف بهما بخجل ورأسه للأرض، متناسيًا أنهما أصله وفصله وجنته وناره، ومتغافلًا عن أن الخجل منهما يعني الخجل من نفسه وإن لم يدرك ذلك”. حلول ويشير عبد الرحمن المرشد إلى أن أبرز الحلول تتلخص في عدم تعويد الأبناء على الصمت وتجنب إسكاتهم بصفه مستمرة، بل يجب تعويدهم على الحديث والانطلاق أمام الناس وإبداء ما في خواطرهم، وكذلك الحرص على الحديث عما يواجههم من مشاكل في المدرسة بكل شجاعة وثقه في النفس، وليس بالضرورة عند أي مشكله تواجه الأبناء في المدرسة ننطلق للدفاع عنهم؛ لأن هذا يضعف شخصيتهم، بل يجب تركهم في البداية يحاولون حلها بأنفسهم. بينما تلفت الدكتورة فاطمة كعكي إلى أهمية التربية على بر الوالدين، توعية المدراس والمجتمع بأهمية الأم ومكانتها في الأسرة، توعية الأسر والمجتمع بان عمل الأم ليس له دخل في مستوى الطفل، وهذا يعني معاملة الطفل لأمه بالحسنى؛ وهذه أعلي درجه في الإسلام، حتى لو كانت تعمل خادمة في البيوت أو المدراس؛ لأنها تعمل من أجل توفير لقمة عيش شريفة. وتختتم كعكي بأن على الفن دور مهم في ترسيخ القيم الحميدة، ومن أهمها احترام الوالدين، وخاصة الأم، كما تطالب بتوفير وظائف للأمهات من أجل الرقي بالأطفال والمجتمع.