أجمع عدد من المختصين فى مجال التربية والصحة النفسية وأيضا الشيوخ على أن الأسرة تلعب دوراً مهماً ورئيسياً فى الوقاية من ظاهرة تدخين الأطفال والمراهقين،من خلال فتح قنوات الحوار المستمرة للتوعية بالأضرار الناتجة عنه على الصحة العامة وفى مقدمتها الإصابة بمرض سرطان الرئة ، مؤكدين فى الوقت ذاته على ضرورة إتباع أسلوب اللين والرفق والاحتواء مع من ابتلوا بهذه الآفة التي تؤرق المجتمع ، حيث أن العنف والقسوة لن تحل المشكلة بل ستزيد منها . وفى إطار مسؤوليتها الاجتماعية لنشر التوعية بين أفراد المجتمع، حرصت "البلاد"على مناقشة أسباب التدخين لدى الأطفال ووضع حلول جذرية لحماية أبناء الوطن من أضرار ومخاطر التدخين ، من خلال استطلاع آراء المختصين والعلماء، حيث يقول الشيخ احمد قاسم الغامدي المدير السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة أن التدخين أصبح ظاهرة بين المراهقين والمراهقات ،وينبغي أن تعالج من قبل الآباء والأمهات عن طريق نشر الوعي الصحي وليس بالعنف والقسوة . وأوضح" الغامدى" أنه فى كثير من الحالات يمارس المراهقون هذه العادة السيئة أثناء غياب الوالدين عن المنزل أو وهم مستترون عن عيون آبائهم أو خارج المنزل مع أصدقاء السوء ،مؤكداً على أن الحل الأمثل هو إيقاظ الوعي والعقل لديهم بأهمية الاهتمام بصحة الإنسان والعناية بما يعود على الفرد بالسلامة مع التركيز على مخاطبة العقل والتوعية والتوجيه والرفق خاصة في هذه الأعمار لان الفتاة أو الشاب في سن المراهقة لديه كثير من الاندفاع ، ولا يستطيع تفسير دور الأب والأم نحوهم من النصح والتوجيه ،فيظن أنه نوع من أنواع السلطة، فتكون النتيجة التمرد على توجيهات الأبوين . وأضاف" الغامدى" أنه من الأفضل أن يكون هناك جو من الأمن بحيث يجعل الوالدين القرار في يد الفتاة أو الشاب ويكون دور الأب هو التوعية والتوجيه والنصح القائم على توضيح الأضرار والعواقب الوخيمة على صحة المراهق جراء تدخين التبغ ، مع الاستشهاد بحالات مرضية عانت جراء التدخين وانتهى بها الحال إلى مصير مأسوي بسبب ممارسة هذه العادة الخطيرة. ويشدد "الغامدى" على ضرورة الاعتماد على أسلوب الرفق واللين فى التعامل مع الأبناء ، مستشهداً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) ، موضحاً أن الغلظة والقسوة دون توضيح لا تؤدى إلى النتائج المرجوة وإنما يتولد عنها الخوف والكذب والتمرد في السلوك والإصرار على التدخين. تشريعات لمواجهة التدخين ومن جانبه يقول الدكتور أنس حسن زارع :"تصدت المملكة لهجمة انتشار ظاهرة التدخين عامة منذ أمد طويل، وأصدرت العديد من الإجراءات والقوانين والتشريعات لتضيق الخناق على تفشي هذا الداء اللعين بالمجتمع ، ومنها عدم السماح بإشعال سيجارة في أي مرفق حكومي منذ نحو خمسين عاما ، علاوة على مضاعفة رسوم استيراد منتجات التبغ ،مضيفاً أنه بات في حكم المحظور تعاطي هذه المواد في أي مطار أو ساحة عامة ، كما مُنعت القنوات الفضائية من الترويج لكل ما يشجع على تدخين التبغ والجراك والأرجيلة". وأشار "زارع" إلى أنه بعد كل هذه الإجراءات أصبح ليس بوسع أي مبتلى بهذا الداء سوى أن يتصبر حتى يعثر على مكان يُتاح فيه التدخين ، وهو في الغالب غرفة ضيقة يتكدس داخلها المدخنون وكأنهم فئة منبوذة لا ينبغي السماح لها بأضرار الآخرين أو تلويث ما يتنفسونه من هواء ، كما أتاحت وزارة الصحة المجال لقاصدي العلاج من هذه الآفة بافتتاح المراكز والعيادات المتخصصة وتزويدها بالتقنيات والتجهيزات والأدوية التي تعين على سرعة الإقلاع مع مجانية الخدمة ، مؤكداً ضرورة توعية الأسرة لتكون خط الدفاع الأول في مواجهة هذه الآفة. احذروا القدوة السيئة ومن جانبه يقول مستشار الإعلام الصحي صبحي الحداد إنه لا شكّ فيه أن انتشار ظاهرة التّدخين في المجتمع بين المراهقين سواء الشباب أو الفتيات ، لها أسباب كثيرة من بينها محاكاة وتقليد الكبار والقدوة السّيّئة لدى الأطفال من خلال سعيهم الدائم لتقليد آبائهم أو إخوانهم أو أقاربهم المدخّنين، كما أن الرّفقة السّيئة سببٌ آخر من أسباب انحراف المراهقين عن السّلوك السويّ بتشجيعهم على اقتراف العادات الذّميمة ومن بينها عادة التّدخين وسهولة حصول اليافعين على المواد المضرّة كالتبغ والمعسل وغيره. وأضاف "الحداد" أن المشاكل الأسريّة المستمرة التي تؤدّي إلى الطلاق بين الوالدين وتدمير الأسرة وتشتتها وما ينتج عنه من انحراف الأطفال وسلوكهم منهجاً غير سويّ في الحياة وعدم وجود حملات توعية حقيقة بخطورة التّدخين وأضرارّه وغياب التوجيه والنصح في المدارس والجامعات وغيرها. وعن علاج ظاهرة التدخين بين الأطفال والمراهقين ، يؤكد"الحداد" أنه فى مقدمة الحلول لهذه الظاهرة التى تؤرق المجتمع هو وضع تشريعات وسنّ قوانين تفرض عدم بيع التبغ والسجائر والمواد الممنوعة والمضرّة بالأطفال والمراهقين ، مع مراقبة الأهل لأطفالهم، فالوالدين عليهم مسؤوليّةٌ كبيرة في ذلك لضمان عدم انحرافهم ، فغياب المراقبة من أكثر الأسباب المؤدّية إلى انحراف سلوك الأطفال والمراهقين . وشدد على ضرورة القيام بتنفيذ حملات تثقيف وتوعية وإرشاد لكافة شرائح المجتمع ، بخطورة التّدخين ومضارّه الصّحية العديدة ، فالتّدخين هو سببٌ رئيسيّ لأمراض الرّئة والسّرطان والقلب ، ويحتوي على مواد مسرطنة سامّة تدمّر جسد الإنسان وتفتك به، وتوفير وتجهيز أماكن ترفيهيّة للصّغار حتّى يستطيعوا من خلالها قضاء أوقاتهم وتفريغ طاقاتهم الجسديّة ، واللّهو واللّعب مع أقرانهم وبما يشغلهم عن التّفكير في تجربة عادة التّدخين السّيئة . وعن كيفية التعامل معهم في حال اكتشاف الأهل تدخين أبنائهم يقول الحداد : "يلزم النصح والإرشاد وتبيان خطورة هذا الفعل صحياً ونفسياً.،كما يلزم إيضاح الأضرار المتعددة للتدخين والمؤدية الى الوفاة ولا يجب استخدام العنف أو الضرب او الإيذاء للأبناء لإجبارهم على ترك التدخين، لأنه مع العنف تظهر ردود فعل سلبية، ومن الضرورى الحث على تشجيع الأبناء بالهدايا والمكافآت فى حال تخلوا عن عادة التدخين السيئة وإبعادهم عن رفقاء السوء" . وينصح "الحداد" بضرورة مراجعة طبيب نفسى إن ظل المراهق على عناده والتوجه إلى عيادات مكافحة التدخين للاستفادة من الإمكانات المتاحة في العيادة. الحوار أحد الحلول واتفقت مع ما سبق التربوية تغريد الشريف حيث قالت إن من أهم الطرق الوقائية هو التواصل المستمر مع الابن أو الابنة ومعرفة الأصدقاء الذى يتردد عليهم لتجنب أصدقاء السوء ، مع فتح قنوات الحوار بشكل دائم ، بمعنى أن يكون الوالدين أقرب الأصدقاء إلى الأبناء. وقالت الطالبة بالمرحلة الثانوية جود المطيري إنه من أغلب الظواهر المتداولة بين المراهقين في مجتمعنا ظاهرةُ التدخين، حيث يُدخن بعضهم كنوع من ردِ فعل تجاه البيئة العائلية المتسمة بالعنف أو البعد وعدم المبالاة الشديدين بأحوال الابن ومشاعره مما يؤدي إلى زعزعة شديدة في تعرفه على اهتماماته و تخبط في أحواله النفسية فينتهي به الأمر إلى استخدام الطريقة الخاطئة للتعبير عن مشاعره، والتنفيس عن غضبه، فيلجأ إلى التدخين . وتحذر المطيرى من استخدام الوالدين طرق قاسية و غير مدروسة للتعامل مع الطفل المدخن قد تؤدي إلى تدهور المشكلة بدلاً من البحث عن حل لها يناسب المرحلة الحساسة التي يمر بها المراهق و التي لا يندرج الصراخ و الحرمان كوسيلة للإقناع أو حل للمشكلة. كل ما عليهم فعله هو استدراج ابنهم ليفتح قلبه لهم معبرًا عن ما كُبت بداخله من مشاعر. دور رئيسى للإعلام من جهته اتفق الدكتور فؤاد بوقري مع كل ما سبق من أراء قائلا : "إن الشباب بطبيعتهم يميلون إلى التغيير واثبات أنفسهم بأية طريقة كانت أمام الناس حتى لو بتقليد الكبار سواء كانوا الأقرباء أو من يقابلونهم في حياتهم اليومية ويكون هذا التقليد يؤدى بنتائج ايجابية أو عكسية تضر بهم كالتدخين على سبيل المثال". ويضيف" بوقرى" أن التوعية أحد الحلول المهمة للقضاء على تدخين الأطفال والمراهقين ، وأيضا القدوة الحسنة فيجب أن يكون الوالدين حريصين على صحتهم وصحة أبنائهم من خلال عدم ممارسة عادة التدخين المعروفة أضرارها ولا تخفى على صغير أو كبير ،بل هناك شعارات توعية من التدخين على علب السجائر نفسها تحظر منه وأن التدخين يؤدي إلى الوفاة وإلى أمراض خطيرة منها السرطان. ويؤكد أن من أسباب انتشار ظاهرة تدخين المراهقين أيضا هو التقليد الأعمى المنتشر بشكل كبير بين فئة الشباب حيث يقوم الشاب أو الفتاة بتقليد أصدقائهم وزملائهم بدون إدراك لذلك أطلق عليهم رفقاء السوء ، موضحاً أنه من هنا يأتي الدور الأخر وهو دور المجتمع في التوعية سواء كانت عن طريق وسائل الإعلام أو المدارس وهيئات التعليم أو اللجان الوطنية والأهلية الخاصة بمتابعة مكافحة التدخين. ويتابع قائلا :"وجدنا في الدول المتقدمة بدأت هذا الظاهرة تنخفض لدى فئة الشباب والكبار كثمرة جهد التوعية التي يقومون بها لذا أتمنى من وسائل الإعلام أن تضع ضمن أهدافها التوعية سواء كان في التدخين أو الأشياء الأخرى المضرة بالمجتمع. إحصائيات ومؤشرات تجدر الإشارة إلى أن آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة حول عدد المدخنين في المملكة العربية السعودية تشير إلى أنهم بلغوا خمسة ونصف مليون مدخن ، احتل الذكور النسبة الأكبر حيث بلغت نسبتهم (23.3%) في حين لم تتجاوز نسبة الإناث 1,5% ، فيما بلغت نسبة المدخنين بين فئة المراهقين (15سنة فأكثر) بالمملكة ( 14,1 % )،وبلغت نسبة المدخنين بين إجمالي السكان السعوديين (12,2%) و بلغت نسبة المدخنين بين إجمالي السكان غير السعوديين (16,6% ). وأعلى نسب المدخنين بين السعوديين تتركز في الفئة العمرية (30-39سنة) وبلغت نسبة المدخنين بين سكان المملكة أعلاها في منطقة تبوك (21,4%) وأدناها في منطقة جازان (9%) و بلغت نسبة المدخنين السعوديين أعلاها في منطقة تبوك.(19,9%) وأدناها في منطقة نجران ( 5،7%). وتم الكشف على أن هناك 90% من المُدخنين بدؤوا بالتدخين فى مرحلة الطفولة، ونسبة استنشاق الطفل للدخان تصل إلى 30% من سموم التدخين، وهذا يطلق عليه (تدخين سلبى)، وهو أن الطفل لا يُدخن ولكن يتعرض له من الأبوين أو المحيطين به.