اقر حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، بخسائر المقاطعة العربية لبلاده، نتيجة دعمها للإرهاب، كما دعا في الوقت نفسه إلى إجراء ما أسماه “حوار جاد مع إيران”، والتطبيع مع إسرائيل. وكشف حمد بن جاسم، الضلع الرئيسي في تنظيم الحمدين، عن النوايا والسياسات المستقبلية للنظام القطري، خلال الحوار الذي أجرته معه قناة “روسيا اليوم”، وتم بثه مساء السبت. هذا الحوار الذي سبقته خلايا تنظيم الحمدين الإعلامية بحملة ترويج واسعة، قبل أن يأتي كالصاعقة عليهم، بعد أن اعترف فيه بخسائر بلاده الاقتصادية والمعنية جراء المقاطعة العربية لقطر لدعمها للإرهاب. وتعد سياسات حمد بن جاسم إبان عمله رئيساً لوزراء أمير قطر السابق حمد بن خليفة، أحد أبرز أسباب أزمات قطر مع أشقائها، ويعد تدخل “تنظيم الحمدين” إلى اليوم في السياسة القطرية، أحد أسباب فقدان بوصلتها. فالخليجيون بوجه عام لم ينسوا تسجيلات “تنظيم الحمدين” مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وهم يتآمرون فيهما ضد المملكة وقادتها. وفي عام 2014، تم تسريب تسجيلين للحمدين مع القذافي، ويرجح أنهما يعودان إلى عام 2003، ويظهر تخطيط الحمدين لزعزعة استقرار المملكة، والسعي إلى تقسيمها، والاعتراف علانية بمخطط المؤامرات. ويشتهر حمد بن جاسم بأنه صاحب وعدين من 6 وعود زائفة للقطريين بإجراء انتخابات برلمانية في البلاد لم تتم حتى اليوم، وهو ما يعتبر مدخلاً ضرورياً لفهم طبيعة التصريحات التي تصدر عنه. وخلال حواره مع “روسيا اليوم”، أكد حمد بن جاسم الأضرار التي لحقت ببلاده جراء المقاطعة قائلاً: “هناك خسائر معنوية وجرح معنوي وهناك تكاليف مالية لهذه القضية”، ورفض الإفصاح عن أرقام وحجم هذه الخسائر المالية. ويعد هذا الاعتراف القطري هو الثاني خلال أسبوع بخسائر قطر جراء المقاطعة، بعد أن اعترف فهد بن محمد العطية السفير القطري في موسكو، خلال مقابلة أجراها مع وكالة “انترفاكس” الروسية، بأن الدوحة تكبدت خسائر كبيرة جراء المقاطعة من قبل جيرانها العرب، خاصة الرباعي العربي الداعي لمكافحة الإرهاب، رغم ادعاء الحكومة القطرية سابقاً عدم تأثرها بالمقاطعة. وفي اعتراف بسياسة الأكاذيب التي ينتهجها نظام الحمدين في تعامله مع الدول الغربية، نفى حمد بن جاسم أن بلاده تأوي إرهابيين أو تدعم الإرهاب، في حين أن الشواهد والدلائل على ذلك كثيرة، منها مطالبة مصر أكثر من مرة بتسليم إرهابيين مقيمين في قطر، وسط تعنت من نظام الحمدين، بل واستضافتهم على شاشة “الجزيرة” وإعلام قطر. وفيما يتعلق بالعلاقات مع إيران، قال حمد بن جاسم إن علاقة بلاده “توطدت” معها، داعياً لما يسمى ب”حوار جاد مع إيران”، وهون من حجم الخلافات العربية والخليجية معها، زاعماً بأنها “خلافات في بعض الآراء وبعض القضايا”، رغم جميع الشواهد والدلائل والسياسات التخريبية الإيرانية للدول العربية عامة ودول الخليج بشكل خاص. من هنا، يبدو أن قطر -التي افتضح أمر إرهابها بعد مقاطعة الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب لها في يونيو عام 2017- لاتزال تصر على تقديم فروض الولاء والطاعة لنظام حليفتها طهران المتورط بتنفيذ مخططات تخريبية إقليمياً ودولياً، بعد أن سهلت إجراءات منح تأشيرات سفر الإيرانيين إلى أراضيها. وفيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، قال حمد بن جاسم “وجهة نظري يجب أن تكون هناك علاقات واضحة مع إسرائيل، ويجب أن يكون هناك سلام مع إسرائيل ولكن يجب أن تكون له نتائج هو إعادة الحق الفلسطيني”. هذا التصريح، يؤكد أن “تنظيم الحمدين” يدعو للتطبيع أولاً مع إسرائيل يتبعه إعادة تل أبيب الحق الفلسطيني، في مخالفة لما تدعو له مبادرة السلام العربية وكل العرب بضرورة إعادة الفلسطيني أولاً. حوار بن جاسم كشف عن استراتيجية قطر مستقبلاً، التي ما زالت تخرج عن الإجماع العربي، لا سيما في تجاهل الانتهاكات الإسرائيلية والجرائم الإيرانية بحق الشعوب العربية، والتي ما زالت آثارها قائمة حتى الآن، وتحديداً في اليمن، وذلك من أجل الحفاظ على وجود واستمرار “تنظيم الحمدين” فقط. ما ذهب له بن حمد في حواره مع القناة الروسية شيء ، وينكشف عن مثلث تآمري تتشكل أضلاعه من قطروتركياوإيران ضد المملكة شي اخر. فقد اكد الخبير الأمني الأمريكي البارز جيم هانسون أن الدوحة وأنقرة لعبتا أدواراً قوية ذات سيناريوهات محكمة بهدف إلحاق الضرر بالمملكة وكسب النفوذ لدى واشنطن، فخطوات التحديث والإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أدت إلى اكتسابه العديد من الأعداء والحاسدين. وعن محاولات التآمر على المملكة يقول الدكتور نايف الوقائع الخبير الاستراتيجي وأستاذ الأمن الفكري إن “العداء القطري والتركي للسعودية واضح وملموس ولديهما مشروعهما الذي تشاركهما فيه إيران، ويستهدف زعزعة الاستقرار وتقويض الأمن الداخلي وإشعال فتيل الفتن ودعم المخربين”. ولفت الوقائع إلى أن الإعلام الغربي كشف مؤخراً عن وجود اتفاقية موقعة بين “قطروتركيا” تنازلت فيها الدوحة عن سيادتها بالسماح للقوات التركية التصرف بحرية دون استئذانها، بما يتنافى مع مفهوم السيادة العظمى للدول ويتعارض مع أمن المنطقة. وأضاف: “أصبح معلوماً للعالم أجمع أن قطر هي رأس الحربة في المشروع التخريبي الذي تدعمه تركياوإيران للإضرار بالأمن العربي، وتأذت منه المنطقة العربية ودول المقاطعة الأربع (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) على وجه الخصوص، موضحاً أن ما تقوم به الدوحة الآن بدأ يتكشف للجميع، إذ أعلنت الخارجية المصرية مؤخراً عن ضبط شحنات عسكرية موجهة للمعارضين في ليبيا، بما يؤكد أن محور الشر لا يريد بأي حال من الأحوال الخير للمنطقة وليس الخلاف قاصراً مع دول بعينها”. وشدد الخبير الاستراتيجي على أن “التحالف القطري التركي الإيراني يريد العودة بالمنطقة إلى المربع الأول في مشروع الربيع العربي التخريبي، وهو ما وقفت السعودية تحديداً في مواجهته، وكانت حائط صد قوياً أمام المد الإخواني ومحاولات تلك الجماعة المحظورة في تخريب الدول العربية، وظهر ذلك جلياً في تحركات الملك عبدالله (رحمه الله) ووقوفه مع مصر حتى نهضت واستعادت عافيتها، وأصبحت شوكة في حلق الجماعات الإرهابية”. وأظهرت الأزمة الأخيرة التقارب بين قطروإيران على حساب دول الخليج العربي، وتوافق مشروعهما في المنطقة، حسب الوقائع، الذي أكد أن الدوحة كانت تريد العزف على الطريقة الإيرانية، لكن كان ينقصها الإمكانات والقدرات، إضافة إلى قلة الخبرات السياسية والعسكرية، فسقطت في أول محاولة طيران خارج السرب العربي، وتم مواجهتها فقط بسلاح المقاطعة. وأشار إلى أن “حدة العداء القطري التركي للسعودية يتصاعد كلما أحرزت المملكة تقدماً على المستويات السياسية والاقتصادية، وأظهر العالم تناغماً مع رؤية قيادة المملكة وقبولاً لتوجهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان”، مرجعاً ذلك إلى أن الرياض تقف حجر عثرة أمام تحقيق مشروعهما في المنطقة بإسقاط الأنظمة وتشكيل الدولة الإخوانية الكبرى. ونبه إلى أن تنظيم الحمدين لا يتوانى لحظة عن تأليب العالم على قيادة المملكة، والنيل من سمعتها بدفع الكثير من الرشاوى وشراء وسائل إعلام غربية. في السياق ذاته، يقول سيلمان العقيلي، الكاتب والمحلل السياسي، إن قطروتركيا لديهما مشروع مشترك للتدوير وإسقاط الأنظمة ونشر الفوضى في المنطقة العربية، لا سيما الدول التي تحظى بالأمن والاعتدال وتحقق نجاحات ملحوظة في دعم الاستقرار داخلياً وخارجياً، وفي مقدمتها السعودية إلى جانب دولة الإمارات ومصر والبحرين. وأوضح العقيلي “أن قطر كونت شبكات من العملاء ونظمت لهم الدورات التدريبية للتحريض المنظم ضد المملكة وكيفية نشر القلاقل داخلياً، والإخلال بأمنها واستقرارها، وتلاحمت مع القوى الاستعمارية التي تريد تفكيك المنطقة وتقسيم دولها، وإضعاف جاهزيتها للدفاع عن نفسها”.