رفض حضور في المقهى الثقافي بنادي المنطقة الشرقية الاقتراح الذي تضمنته الورقة التي قدّمها الروائي السوداني هشام آدم، مساء الأربعاء الماضي، باستبدال مسمى (القصة) السائد باسم (رواية قصيرة) معتبرين اقتراحه آدم اقتراحاً يفتقر إلى المنطق. وكان آدم قد انتقد في ورقته المعنونة ( الرواية باعتبارها أداة قياس) استخدام اسم (القصة) موضحاً أن القصة تطلق في العربية على الحكاية التي كانت تتداول للتسلية أو للحكمة كما استعرض بعض الآيات القرآنية التي أوردت كلمة (القصص) مشفوعة بالحكمة أو الموعظة، وخلص إلى أنّ تسمية ما يكتب الآن على أنه قصة قصيرة بالقصة خطأ فادح لأنها تعني الحكاية وهي تعنى بأغراض لا تمتّ بصلة إلى الأهداف الفلسفية والاجتماعية التي تعنى بها الرواية أو فن (الرواية القصيرة)، نافياً وجود جنس أدبي يسمى (قصة قصيرة). وأدى كلام آدم إلى موجة اعتراضات ابتدأها الروائي والقاص فهد المصبّح الذي رفض توصيف آدم لمكانة القصة في الثقافة العربية بالمكانة الهامشية قياساً بالشعر ونسبة الأسبقية للشعر على كافة الأجناس الأدبية في العربية، وقال المصبح أنّ بإمكان آدم أن يقول أن مفهوم القصة الحالي قد تطوّر كثيراً عن مفهومها في الثقافة العربية في العصور السابقة ولكن ليس بإمكانه أن يدّعي عدم وجودها من الأساس وتبعيتها للشعر ولا أسبقية الشعر عليها، لأنّ القص نزعة طبيعية لدى الإنسان تسبق أي شيء. وأضاف أنّ بالإمكان التساؤل عن قصة قصيدة وليس بالإمكان السؤال عن قصةِ قصة لأن القصة هي أول شيء. وختم المصبح قائلاً أنّ من الممكن القبول باسم آخر للقصة وأن على آدم إيجاد اسم يناسبها أكثر من القصة والرواية القصيرة. من جهته اعتبر القاص عبد الله النصر مقترح آدم مقترحاً منطقياً يتفق مع ما أسماه المعنى الصحيح والقاموسي لكلمة قصة، مضيفاً أنّ على هشام أن يتبع خطوة الرفض باقتراح بديل آخر لمسمى القصة. وانتقد القاص زكريا العباد ورقة آدم باعتبارها تنتمي إلى جنس المقال النقدي ولكنها لا تفي لمقومات المقال ولا تحافظ على وحدة الموضوع الذي وعد به العنوان (الرواية كأداة قياس) فهي تناقش من بدايتها استحقاق جنس القصة لهذا الاسم وهو موضوع آخر. وأضاف أنّ رفض آدم لإطلاق اسم القصة المتداول تاريخياً في الثقافة العربية على الجنس الأدبي الحديث هو رفض لحركة تاريخ اللغة ولانزياحات الطبيعية بشكل، فالتداول الحاضر لكلمة (قصة قصيرة) هو تداول اصطلاحي ينفي أية شبهة لحضور المفهوم التاريخي لكلمة قصة أو حكاية. واعتبر العباد أنّ النقاش حول هذه المسألة لا يحمل أي قيمة ما دام الأدباء لا يستخدمون كلمة قصة بالمعنى التراثي لها. وختم العبّاد قائلاً أنّ منطق هشام ذاته يمكن استخدامه لنقض اقتراحه تسمية القصة بالرواية القصيرة لأن الرواية في العربية تعني الحديث الشريف أو الرواية عن الشعر ولكنها لا تعني بأي حال من الأحوال الرواية بمعناها الحديث، فهل يعني هذا إلغاء الاسم والبحث عن آخر؟. وتحدّث آدم في ورقته عن الخيال باعتباره أهم عناصر الرواية والأدب عموماً، وقال أنّ من خصائصه أنه غير مقيّد بالزمان أو بالمكان، وفرّق بينه وبين التخيّل في أن الخيال يختص بالإبداع، إلا أنه قال أنّ الخيال هو جزء من التخيل الذي يحدث لكل الناس. ثمّ تحدّث آدم عن الخيال باعتباره خارجاً عن حدود العادة الذهنية المنصرفة إلى ما هو مادي محسوس عمّا هو فوقي وما ورائي وابعتباره شغفاً غريزياً يحتاج إليه الإنسان على لإشباع حاجاته المعرفية، وتساؤلاته غير المحدودة عن الطبيعة والإنسان. وأضاف أنه لا بد من ربط فن الرواية بعناصر متعددة كالوقائع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأنها في الحقيقة دوائر متداخلة، ولكنها غير مستقلة عن الإنسان، فهي مرتبطة بوجوده ووعيه وتفاعله مع البيئة ومع نفسه، فثمة حيوات منفصلة تماماً عن هذه المنظومة المتداخلة، هي الحيوات الذاتية لكل فرد؛ فللفرد داخل المجموعة حياته الخاصة أو السريّة التي يعيش في صراع بينها وبين ما يقتضيه وجوده الاجتماعي: ما يرضاه وما يتمناه، ما يفعله وما يتمنى أن يفعله، ما يقوله وما لا ينبغي أن يقوله. وأضاف أنّ فن الرواية باعتباره فناً يُحاكي الواقع أو يوازيه، فإنه يُصبح الطريقة الأنجع لخلق وقائع مثالية (ربما)، أو أقرب إلى خوض صراع افتراضي مع ما هو كائن، وما هو ممكن أو مستحيل الإمكان. وكأن الروائي -حين يكتب روايته- يُجري حوارات مفترضة بينه وبين سلطة واقعية سواء كانت هذه السلطة سلطة اجتماعية أو دينية أو حتى سلطة الذات العليا. وهو بذلك إنما يحاول قياس إمكانية المعقول منها وغير المعقول، ويبتكر شخوصاً يُقدمهم قرابين لهذا الاختبار الوجودي في الحقيقة. وأضاف أنّ الأمر يُشبه –إلى حدّ ما- محاولاتنا لوضع تخمينات حول ردود أفعال المجتمع إزاء وجهات النظر الخاصة، ومدى قبول الآخر بالأنا، تلك التخمينات التي نصوغها باستمرار في حياتنا اليومية بطريقة تلقائية حتى دون أن نشعر بذلك، ووضع خطط بديلة لأنماط سلوكنا بناء على استنتاجات منطقية مستقاة من خبراتنا العامة، كأن نقول: «ترى ماذا سوف يحدث إذا تغيّبت عن العمل دون إخطار مسبق؟».