إعجاز الوقوف بعرفات الله ونفرة الحجيج مشهدان تعجز الكلمات عن وصفهما .. وتبقى الصورة المهيبة لهذا السيل الجارف من البشر هي الوسيط بين عقولنا وقلوبنا وابداع من خطط ونفذ وأدار هذه الملحمة البشرية بأبعادها الانسانية والروحانية والفكرية .. إنها حلم ورؤية وخيال ونجاح بفضل من الله .. عزيزي القارئ .. القرن ال 21 كان له نصيب غير محدود من التسميات مثل .. العصر الرقمي .. والعصر التكنولوجي .. وعصر إنترنت الاشياء. الا ان السمة الغالبة عليه هو ( إقتصاد المعرفة) وذلك نتيجة للإنفجار المعرفي المتداول والذي كان من نتاج ثورة المعلومات وتطور الاتصالات وتقدم تطبيقات الذكاء الإصطناعي .. هذا الاقتصاد يعتمد علي المعرفة ووفرتها وتنوع فروعها وكمياتها وتحليل بياناتها وصناعاتها .الخ. ومن حسن الطالع اننا نملك معارف متفردة تخصنا نحن دون العالمين ..؟! انه اقتصاد المعرفة الخاص بالحج والعمرة.. حيث لا يوجد تجمع كوني ديني وروحي بهذا الحجم والزخم والعدد والتنوع في المناسك والجنسيات واللغات والاعمار والمتطلبات والاحتياجات الا عندنا. قبل خمس سنوات اعددنا انا والاستاذ عبدالقادر برهان دراسة استشرافية تطويرية للحج خلال الخمسين سنة القادمة ..وكانت الدراسة مبنية علي ما ستؤول اليه الاحوال في العالم من تقنيات واتصالات ووسائل مواصلات يمكن توظيفها في خدمة وادارة وتشغيل مناشط الحج ومدنه ومناسكه . وكانت محاولاتنا انا وصديقي في هذه الدراسة هو استشراف المستقبل واسقاط وتوظيف الافكار والمخترعات وتكنولوجيات العصر علي متطلبات الحجاج الانسانية والمعيشية والروحية والاقتصادية من خدمات تتيح لهم اداء مناسكهم بكل يسر وسهولة. ولقد اسعدني كثيرا ان اقرأ ان احد الرواد استورد كبسولات سكنية فندقية لايواء الحجاج في مشعر مني علي سبيل التجربة والدراسة .. وهذه كانت احد الحلول التي قدمناها في الدراسة بديلا للخيام في المشاعر . يا سادة ..هذا نموذج واحد من تطبيقات اقتصاد المعرفة .. الا وهو السكن .. فما بالكم بالمعارف والعلوم المختزنة في وعينا وفكرنا وممارساتنا لادارة الحج والحجيج والتي تتطلب ابتكارات وابداعات بمفاهيم ومواصفات خاصة كالمواصلات واعداد الطعام الصحي والتخلص من النفايات. . واقتصاديات المياه ووفرتها واعادة التدوير .. والصناعات التي تقوم علي الافادة من لحوم الهدي والاضاحي .. والتنقل الجماعي من مكان الي اخر في جماعات ضخمة ..والجوانب الخاصة بالبيئة والطقس والهندسة العمرانية والبنية التحتية وتقنية المعلومات وتطبيقاتها . عزيزي القارئ .. كل تلك المعارف والتجارب والخبرات التراكمية التي ننفرد بها عبر 1400 عام يمكننا رصدها وتحليلها وتبويبها وتوفيرها في بيانات ومعلومات ودراسات يمكن بيعها علي مراكز الفكر والابحاث والمعامل والمختبرات والمصانع ورواد الاعمال في العالم اجمع .. في شكل دراسات او بيانات وافكار وابداعات وابتكارات تخدم البشرية وخصوصا ان الاعوام القادمة ستشهد طفرة نمو في اعداد البشر وهم ينزحون من القري وينتقلون الي المدن زرافات وجماعات في اعداد هائلة تتطلب معيشتهم وحركتهم فكرا مبدعا لادارة الحشود والكثافة البشرية. انها فرصة عظيمة حبانا الله بها وهي المعلومات الضخمة الخاصة بادارة الحشود والمواكب واعاشتهم ورعايتهم والاعتناء بهم في عصر الكثرة ..والوفرة ..والتنوع. الحج ثروة معرفية مستدامة .