إن معجزة الإسلام لا تعد ولا تحصى، ذلك أنه الدين الخاتم، الذي لا يكون بعده دين إلهي أبداً، ولن يأتي بعد سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نبي أو رسول فكانت أهم معجزاته – عليه الصلاة والسلام – القرآن الكريم، الذي خاطب ربنا عز وجل من أنزل عليهم هذا الكتاب وهم أفصح أمة في لغتهم العربية يقول تعالى: (أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) ويقول: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)، وجاءت تشريعاته في كل باب معجزة في حد ذاتها، ثم جاءت أكبر معاركه في نصرة دينه مبكرة بعد هجرته إلى المدينة بعام واحد، ففي العام الثاني للهجرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم – لاعتراض قافلة لقريش فيها تجاربتهم، ليستعيد للمسلمين الأوائل المهاجرين معه إلى المدينة ما فقدموا من أموالهم، ولكن أبا سفيان بن حرب الذي كان يقود القافلة، بلغه خروج المسلمين من المدينة للقائه، فتمكن من الفرار بالقافلة، وارسل رسولاً الى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، واستجابت قريش لنجدته، وخرجت لقتال المسلمين وكان جيشهم لا يزيد عن ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم فرسان وسبعون جمالاً وليس معهم من السلاح ما يكفي لقتال جيش كبير، خرجت فيه قريش من مكة وكان تعداده ألف رجل، ومعهم مائتا فرس، والكثير من الإبل، فهم أضعاف جيش المسلمين ومعهم من الأسلحة والعتاد ما يغلبون جيشاً في تعدادهم أو يزيد، ولكن الله أراد أن تكون أهم معركة يدخلها المسلمون آنذاك على قلة عدد وكراع وسلاح، ينتصرون فيها بنصر الله لهم، ويهزم جيش المشركين وتقتل قادته ويقتل منهم سبعين رجلاً ويؤسر مثلهم، أما المسلمون على قلة العدد والعدة فلم يقتل منهم سوى أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار، وغنم المسلمون من عدوهم غنائم عديدة، فاكسبهم الانتصار المهابة في المدينة وما جاورها، وخطط المؤمنون للمعركة تخطيط من يطلب النصر، وكان سيدنا رسول الله عندما بلغ بدر وتقررت المعركة واستشار أصحابه ونفذ ما أشاروا به، وخيم عليهم الليل، وقد بنى له المسلمون مركزاً لقيادته يأمن فيه من العدو، فكان معه سيدنا أبو بكر الصديق، وكان ثلة من الأنصار تحرسه بقيادة سعد بن معاذ، وأنزل الله عليهم نعاس يغشيهم تلك الليلة كما قال تعالى: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) يقول عن تلك الليلة ابن عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – علي بن ابي طالب ما كان فينا فارس يوم بدر إلا المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، ثم بدأ حين المعركة يصدر لهم الأوامر والتوجيهات، ومنها أنه أمرهم برمي الأعداء اذا اقتربوا منهم، وليس وهم على بعد كبير، فقال: إن دنا القوم منكم فانضحوهم بالنبل، ونهي عن سل السيوف إلى أن تتداخل الصفوف، وأمرهم بالاقتصاد في الرمي استبقاء لأسهمهم وظل صلى الله عليه وسلم يشجع أصحابه ويحثهم على القتال، واندفعوا يقاتلون وتروي لنا السيرة النبوية ومن كتبوا الغزوات كيف كان استبسالهم رغم قلة عددهم وعتادهم، وقد قلل الله المشركين في أعينهم لينصروا عليهم، ووعدهم ربهم بجيش من الملائكة (أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا ويمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين. وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) وكان النصر في هذه المعركة ينبئ عن معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم باقية حتى تقوم الساعة، وحق لنا أن نحتفي بها ونفخر وأن نتذكرها دوماً كلما حل يوم السابع عشر من رمضان، وأن نحمد الله على نصره لأخواننا في بدر وفي كل معركة خاضوها من أجل رفعة دينهم، اللهم أغفر لهم وألحقنا بهم غير خزايا ولا مفتونين.