اليوم ال17 من رمضان، تحل ذكرى موقعة «بدر الكبرى»، وتعد أول معركة في الإسلام بين الحق والباطل، ولذلك سميت يوم «الفرقان». البداية (في العام الثاني للهجرة) كانت عندما خرج المسلمون للقاء قافلة أبي سفيان ولم يكونوا خارجين للقتال، علم الرسول صلى الله عليه وسلم عن قافلة لقريش فدعا المسلمين لاعتراضها، وخرج من المدينةالمنورة ومعه 312 صحابيا، ولما وصلوا إلى بدر كانت القافلة قد نجت، وكان المسلمون حريصين على القافلة أكثر من الدخول في حرب مع المشركين، ولكن أبا جهل رفض رفضا قاطعا العودة إلى مكةالمكرمة حتى يقتتل الفريقان ويشفي صدره من المسلمين، رغم أن عتبة بن ربيعة (أحد زعماء قريش) حاول أن يرجع بقريش عن ذلك، وكانت النصرة والعزة للإسلام. وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام، وكان عدد من قتل من قريش في غزوة بدر (70) رجلا وأسر منهم (70) آخرون، أما المسلمون فقتل منهم (14) رجلا، (6) منهم من المهاجرين و(8) من الأنصار. لذلك، ستظل «بدر الكبرى» معلما عريقا ودستورا منيرا للدعاة والمصلحين والمجاهدين في معاركهم مع الباطل، ومرجعها مهما لتجلية العلاقة بين القائد وجنده، والأمير وجيشه، كما يؤكد ذلك العديد من الشرعيين والمتخصصين في الدراسات الشرعية والاستراتيجية. وحول تاريخ المعركة، يوضح الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المصلح، أنها بدأت بمحاولة المسلمين اعتراض عير لقريش متوجهة من الشام إلى مكةالمكرمة يقودها أبو سفيان بن حرب، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وأرسل رسولا إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، فاستجابت قريش وخرجت لقتال المسلمين، وكان عدد المسلمين في غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، معهم فرسان و(70) جملا، وكان تعداد جيش قريش (1000) رجل معهم (200) فرس (3 أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريبا). أما قاضي قضاة فلسطين الدكتور تيسير التميمي فأكد أن «بدرا الكبرى» أول الانتصارات الإسلامية، وهو اليوم الذي فرق الله به بين الحق والباطل، كان من أخطر وأعظم أيام الإسلام، انتصر فيه المسلمون نصرا مؤزرا أذهل المشركين وأطاح ب(70) من كبرائهم ورؤسائهم ووقع في الأسر مثلهم، وجاءت هذه النتيجة على الرغم من قلة عدد المسلمين وعددهم وعتادهم بالقياس إلى قوة وعدد المشركين (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون). من جانبه، أوضح الداعية الدكتور محمد موسى الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تأكد من النصر بعد إجراء الشورى مع الأنصار قال: (سيروا وأبشروا فو الله كأنني أنظر إلى مصارع القوم)، وبات ليلته داعيا متضرعا فأنزل الله الملائكة للمشاركة في هذه الغزوة إجابة لدعوة نبيه عليه الصلاة والسلام، فعندما فرغ المسلمون من تقديم ما عندهم أكرمهم الله بإنزال الملائكة، وهذا مصداق قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم). أما الناحية الاستراتيجية، فتحدث عنها الدكتور أنور ماجد عشقي (رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية) موضحا أن من استراتيجيات الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك المعركة اختيار المكان المناسب للحرب، بحيث أوقف الجيش الإسلامي في منطقة مليئة بالمياه ليشرب المحاربون بينما تشح المياه في معسكر المشركين، إضافة إلى أن وقوف الجيش الإسلامي في منطقة رملية عكس جيش المشركين في منطقة «صبخة» من ما يعيق عملية الحركة للمقاتلين، واستراتيجية الصفوف المتساوية التي وضعها النبي ودفع الرماة في بداية المواجهة. وأضاف عشقي: إن غزوة بدر هي نتيجة للهجرة إلى المدينةالمنورة، حيث استمرت المعركة عدة أيام اشتد فيها القتال فاربك المسلمون أعداءهم بوابل من السهام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقود الصفوف بنفسه والتي أخذت تقترب من صفوف المشركين التي فقدت قادتها وبدأت في التبعثر والهروب، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم قواته أن تشد عليهم وبدأت المطاردة التي انتهت بانتصار المسلمين على المشركين فأخذ المسلمون في جمع الغنائم والأسرى، فعاد عليه الصلاة والسلام إلى المدينةالمنورة مع موكب الرجال حاملين لواء النصر على جبابرة مكة وأئمة الكفر فيها. والانتصار في هذه المعركة بهذا الفكر الاستراتيجي من قائدها يدلل على حكمته في وضع خطة حربية وعناصر لإنجاحها ووضع البدائل في حالة ضعف احد عناصرها.