عهدنا بالتبديع غير بعيد، وله عندنا مناسبات تتكرر على مدى الأعوام، والسنين، وكثير مما يقال عنه: إنه بدعة يتضح بالدليل على أنه ليس كذلك، وها هو شهر شعبان وفضائله معروفة، فمما أخرج النسائي، رحمه الله، في سننه عن أسامة بن زيد، رضي الله عنه: أنه سأل النبي- صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم في شعبان، فقال صلى الله عليه وسلم : (ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان) وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله – تعالى- فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم، وفي الصحيحين، عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول : لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم – استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً إلا في شعبان، وفي صحيح مسلم : وفي رواية كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا، فشعبان زمان فاضل اختصه سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلل صومه لأكثر أيامه، أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، وهو يحب أن يرفع عمله إلى الله، وهو صائم ونحن به مقتدون، وصيام أيامه ليس بينها يوم صيامه غلا يوم الشك، وهي اليوم الثلاثون من شعبان، إذا ثّم احتمال أن الهلال قد رؤى، ولم يثبت؛ لذا ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : (لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) ولم يرد النهى أبداً عن صوم يوم غيره، من أيام شعبان، ومن ادعى ذلك فليتبعه بدليل، فإذا كان الشهر كله محل للصوم، فيوم النصف منه محل للصوم لم ينه عنه، وأما ليلة النصف من شعبان فليلة عظيمة، عظم النبي صلى الله عنه شأنها في قوله: (يطلع الله، تبارك وتعالى، إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن"، فإذا كان الله يطلع على الخلق في هذه الليلة، ليغفر لعباده فهل من الخير أن ننام عن تلك اللحظة العظيمة، التي يقسم الله فيها لعباده المغفرة ،أم يجدنا له تالين لكتابه، ذاكرين له قائمين ليله، فأيهما الأفضل؟ وقال ابن تيمية، رحمه الله : ذهب جمهور أهل العلم وأكثر علماء الإسلام، وهو اتفاق المذاهب الأربعة إلى استحباب إحياء ليلة النصف من شعبان وجمهورهم على استحباب الاجتماع وبعضهم كره الاجتماع واستحب الإحياء دون اجتماع، وقال : إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده أو في جماعة، كما كان يفعل طوائف من المسلمين، هو حسن. وزاد: (ليلة النصف من شعبان قد ورد في فضلها الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها) فهي ليلة مباركة. روي عن التابعين من سلف هذه الأمة، يقول الحافظ ابن رجب، رحمه الله تعالى: (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة ،وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قبله منهم، ووافقهم على تعظيمها، فهم طائفة من عباد أهل البصرة، وغيرهم ثم ذكر أن علماء الشام اختلفوا في صفة إحيائها على قولين؛ أحدهما أنه يستجب إحياؤها جماعةً في المساجد، كان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويتكحلون ويقومون في المسجد، ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال: قيامها في المساجد جماعة : ليس ببدعة، نقلة حرب الكرماني في مسائله، والثاني: أنه يكره الاجتماع في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهو قول الأوزاعي إمام أهل الشام، وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب، إن شاء الله، إلى أن قال: ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة النصف من شعبان، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد، فإنه في رواية لم يستحب قيامها جماعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، واستحبها في رواية لفعل عبدالرحمن بن زيد الأسود؛ لذلك وهو من التابعين من أعيان فقهاء الشام). أبقى حينئذ للبدعة في هذا إشارة. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]