هناك مرحلتان في حياة أغلب المجتمعات والأسر!! مرحلة ماقبل وسائل التواصل الاجتماعي، ومرحلة مابعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي !! المرحلة الأولى: عندما كانت الأسرة جسداً واحداً، يشكل أفرادها أعضاء ذلك الجسد، متحابون، متماسكون، متوادون، متعاطفون!! دائماً وأبداً مع بعضهم البعض، جلستهم واحدة، وسفرتهم واحدة، ومناسباتهم واحدة، سفرهم واحد مع بعض، اتجاههم واحد، وتوجههم واحد!! كل فرد من أفراد الأسرة يعرف كل صغيرة وكل كبيرة عن الفرد الآخر، متفاهمون في شتى نواحي الحياة، ويسعى كل فرد لإرضاء الفرد الآخر، يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة!! حب ووئام، هدوء وسكينة وترابط اجتماعي قوي ووصال جميل !! هذا كله ماقبل انتشار شبكة وسائل التواصل الاجتماعي !! أما المرحلة االثانية : مرحلة دخول تلك الشبكة كل بيت، وغزوها كل أسرة!! فوقع الجميع في الشراك، فشُد وثقاهم، وفُرق شملهم فابتعد تقاربهم، وتفرقت لحمتهم وتقطّعت أواصر محبتهم، واتصالهم وتواصلهم فأصبح القريب بعيدا؛ رغم أنه منك قريب!! يعيش في عزلة عن أسرته، وهو في أحضانها، وتحت رعايتها، وفي كنفها!! ولكن هيهات هيهات أن يشعر بها، أو تشعر هي به!! انفصال وانفصام، تقاطع وتباعد في العواطف والمشاعر، بل بالحس والإحساس!! فابنك لا تعرف عنه أي شيء، إلا جسداً دون روح!! إذا خدمتك الظروف ورأيته أصلاً !! وابنتك لم يعد يربطها بك إلا اسم دون معنى!! لاتعلم عنها أي شيء، سواءً عن حياتها، أو مشاعرها، أو نفسيتها، أو دراستها، أوصداقاتها، ولا تعرف عن أسرارها شيئاً إطلاقاً!! الزوجة انفصلت عنك عاطفياً، وحسياً، شعوراً ومشاعر!! لم تعد تمثل لها أيها الزوج إلا رقماً!! لم تعد في حياتها إلا اسماً وصفة!! أخذتها منك شبكة التواصل الاجتماعي المختلفة، فصارت لها القرب والقريب، ملأت حياتها بدونك، وفراغ وقتها بعيدا عنك!! فماذا أصبحت تمثل لها؟!! وهل لو سافرت عنها وابتعدت بضعة أيام ياتُرى أتدري عنك، أو عن غيابك؟!! أو تبحث عنك، أو تتشوق لك؟!! لا وألف لا !! فوسائل التواصل الاجتماعي، قد أخذتها منك وأخذت أبناءك وبناتك بل وكل أسرتك!! كما أخذتك أنت في الأساس منهم !! فهل نضع حداً لوسائل الانفصال والتباعد الاجتماعي؟!! هل نضع لنا ولأسرتنا، ولمجتمعنا وقتاً خاصاً دون تدخل تلك الوسائل فيه وتشويه ملامحه، وتشتيت تجمعه، وتعكير صفوه ؟!! الأمر بيدك، فهل تستطيع إدراك مايمكن إدراكه؟!!