يعد المحمل أحد المشاهد التاريخية التي شهدها البنط في جدة القديمة فكان المحمل يصل الى جدة براً سيراً على الأقدام و فيما بعد أصبح يأتي عن طريق البحر , والمحمل هوا عباره عن هودج أو هيكل خشبي مربع من الأطراف تعلوه قبه مخروطية الشكل مغطّى بعدة قطع من الأقمشة المزخرفة بالآيات القرآنية و يوضع فوق كل طرف من الأطراف الأربعة كره فضيه و توجد في أعلى القبة المخروطية كرة فضية يعلوها هلال ذهبي ثم يُحمل على جمل خاص ضمن موكب مهيب مع قافلة الحج ويحتوي هذا المحمل على أستار الكعبة المشرفة (الكسوة) وبعض الهدايا للحرمين الشريفين ليتم إيصالها الى الأراضي الحجازية ويصاحبهُ عدد كبير من العسكر بغرض حمايته من قطاع الطرق بالإضافة إلى بعض الحجاج , ثم يمضي مصحوباً بفرقة موسيقية و الرايات الخاصة به وبعد أنقضاء موسم الحج يعود المحمل بنفس الموكب حاملا كسوة الكعبة القديمة من حيث أتى. وقبل وصول المحمل الى الأراضي الحجازية جرت العادة على أن يحتفل الناس في بلد المحمل بهذه المناسبة , فمثلاً كان المصريون يحتفلون بخروج المحمل وكان الوزراء يتسابقون في نيل شرف الاشتراك في السير أمام المحمل وكان الناس يتمتعون بمشاهدة هذا الموكب العظيم وما يصاحبه من عروض عسكريه و عزف للفرق الموسيقية , ويتقدم الركب مأمور الكسوة ممتطيا جواده ومرتديا لباسه الرسمي وعلى يديه المبسوطتين كيس مفتاح الكعبة. ثم يسير الموكب في أماكن وشوارع محدده ليسافر منها إلى السويس ثم إلى مكة حاملاً معه كسوة الكعبة و كسوة مقام إبراهيم با لأضافه الى الروائح و العطور والخرق الجديدة التي تغسل بها الكعبة. وكان توديع المحمل يتم في حفل يتبارى فيه كبار المنشدين في إنشاد المدائح النبوية. اختلفت المصادر في ذكر أول من قام بإرسال المحمل , فالبعض أشار أنه قبل الإسلام و البعض أشار أن أول من قام بإرساله هوا الخليفة العباسي المقتدر بالله عام 320ه ثم تلاه حكام الدولة الفاطمية مرورا بالمماليك والدولة العثمانية. أما عن مسار المحمل , فمن خلال الاطلاع على بعض المصادر اتضح لي أن المحمل قبل عهد الدولة السعودية كان يسير في عدة طرق باتجاه مكه , على حسب نوع المحمل ومن أي دولة مُرسل , ومن هذه الطرق: 1-من الشام (دمشق) إلى مكة. 2- من مصر الى مكة. 3-من عدن الى مكة. 4- من عُمان الى مكة. 5-من بغداد الى مكة. و كان بعض الحكام على مر التاريخ يقوموا بإرسال قوات ذات أعداد كبيره لحماية المحمل و الحجاج المصاحبين للمحمل من قطاع الطرق. أما أشهر المحامل قبل الحكم السعودي التي كانت تأتي الى الحجاز : المحمل الشامي , المحمل العراقي , المحمل اليمني , المحمل المغربي , المحمل التكروري , المحمل الرومي أو التركي , المحمل المصري. و في عهد الدولة السعودية توقفت أغلب المحامل بالقدوم الى الحجاز ماعدا المحمل الشامي و المصري الذي أصبح يأتي عن طريق البحر في السنوات الأخيرة. وبعد وصول المحمل الى جدة كان ينزل في حارة البحر في أحد الأحواش الملاصقة للطابية (خفر السواحل) حيث أنه هذه المنطقة من الحارة كانت فارغه ولم يكن بها سوى القازخانه (مخزن للوقود) , ويذكر الأستاذ محمد رقام رحمه الله بأن هذا الأتساع كان يمكن المكلف برعاية جملي المحمل من أخذهما الى خارج الحوش في الساحات المقابلة للموقع حتى يشاهده عامه الناس الذين كانوا قد خرجوا من بيوتهم للفرجه وكان المشرف يجعله بعمل حركات غريبه تثير الدهشة كأن يجعله يتراقص و يدخن السجائر و غيرها ثم يعيده الى داخل الحوش. حقيقة ما زلت أذكر جدي الشيخ عبدالله السليمي رحمه الله , حينما كان يخبرني بأنهم كانوا ينتظروا قدوم المحمل في جدة سنوياً في عهد الأشراف و بداية العهد السعودي لما فيه من الخيرات سواء كانت طعام أو شراب أو ملبس عن طريق الحجاج و القادمين معه و يصف بأن أهالي جدة كانوا يستقبلونه أستقبالاً باهراً و يجوبون معه أزقة و شوارع جدة أحتفالاً بقدومه فكان موظفي المحمل يقوموا بتوزيع الأكل و بعض القطع النقديه على الأهالي حتى مغادرته الى مكةالمكرمة. [email protected]