كانت المملكة العربية السعودية ولا زالت تمنح الحرمين الشريفين كل عناية واهتمام ودعم غير محدود , ولذلك بقيت هذه المسألة أولوية قصوى ومحط اهتمام قادة وشعب المملكة , حبا وتقديرا للمقدسات الاسلامية , في كل من مكةالمكرمة , والمدينة المنورة , والمشاعر المقدسة .. وبذلك ظل لا غرابة أن تخصص السعودية للحرمين الشريفين أكبر المشروعات واضخمها وبمليارات الريالات ، رغبة في الاجر والثواب من الله تعالى أولا , ثم أداء للأمانة التي شرف الله بها هذه البلاد وقادتها واهلها , ولتيسير أداء حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم , لمناسك حجهم وعمرتهم وزيارتهم , في سهولة ويسر وراحة بال , وأمن تام وأمان وسعادة . (البلاد) تقدم عدة حلقات عن عناية السعوديين بالمقدسات الاسلامية في مكة والمدينة والمشاعر المقدسة .. وحرصهم الدائم والمتواصل على أن تكون في أفضل وارقى مستويات الجودة .. والخدمة لضيوف الرحمن. عمل يفوق الوصف في هذه الحلقة تحدث ل ( البلاد) عدد من المواطنين , وهم : ( علي سدران , حميد المالكي , عبدالله الحسين , ضيف الله المطوع , صالح المسفر ) .. فقالوا : نستطيع أن نقول بداية ان ما تقدمه المملكة العربية السعودية لمكةالمكرمة والمدينة المنورة , والمشاعر المقدسة هو عمل يفوق الوصف , ويعجز عن ذكره اللسان في عجالة كهذه , وثمة في حقيقة الامر مشرف وضخم بكل المقاييس وعلى افضل المواصفات , وبمبالغ ربما تكون ميزانيات دول .. وأضافوا : أن كل ذلك يوضح للقاصي والداني الحرص الكبير , والرغبة الخالصة لقيادة هذه البلاد المباركة , أن يكون نسك الحج في أفضل مستوى وكذلك العمرة والزيارة .. ولذلك أتى ذلك الدعم الضخم لكل ما له علاقة بالأراضي المقدسة ، التي يفد اليها ملايين الحجاج او الزوار والعمار , من كل أصقاع العالم , فلا يجدون الا الامن والامان والراحة والسعادة , التي تمكنهم من اداء عملهم على احسن وجه, وافضل حال . وهذا دليل حيّ ومشاهد وملحوظ في كل مكان من أماكن الحج والعمرة والزيارة، ولا ينكر ذلك الا جاحد أو حاقد .. والحقيقة أن العالم كله قد شهد ان حكومة بلادنا قد بذلت الغالي والرخيص لإدارة الحج والعمرة , وفق أفضل مستوى وبشهادة – محايدة – من الحجاج والعمار أنفسهم . فشكر الله لقادة هذه البلاد وشعبها سعيهم وجزاهم خير الجزاء . كسوة الكعبة المشرفة يقول زياد بن محي الدين خوجة المشرف العام على مصنع كسوة الكعبة المشرفة في كلمة له تصدرت موقع المصنع : لقد تميز العهد السعودي الزاهر بالخدمة المميزة للمسجد الحرام والمسجد النبوي وشؤونهما . ومن صور الاهتمام والرعاية التي يوليها ولاة الأمر حفظهم الله , الأمر الذي أصدره الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله بإنشاء دار خاصة لعمل صناعة كسوة الكعبة المشرفة في منتصف عام 1346ه .. واستمر العمل في إنشاء كسوة الكعبة المشرفة , إلى أن تم تجديد المصنع وتحديثه , وافتتح في عام 1397ه بأم الجود بمكةالمكرمة , وزود بالآلات الحديثة لتحضير النسيج وأحدث قسم للنسيج الآلي , مع الإبقاء على أسلوب الإنتاج اليدوي لماله من قيمة فنية عالية , ومازال المصنع يواكب عجلة التطور ويحافظ على التراث اليدوي العريق , لينتج الكسوة في أبهى صورها . ومن أهم أقسام المصنع قسم الحزام , وقسم خياطة الثوب , وقسم المصبغة , وقسم الطباعة , وقسم النسيج الآلي , وقسم النسيج اليدوي .. ويعمل في تلك الأقسام أكثر من مئتي عامل سعودي من العمالة السعودية المؤهلة والمدربة. وبالإضافة إلى إنتاج كسوة الكعبة المشرفة كل عام فإن المصنع ينتج أيضاً الكسوة الداخلية للكعبة , وأعلام المملكة العربية السعودية طبقاً لنظام علم المملكة . وفي شهر رمضان المبارك يزداد الاهتمام بصيانة ثوب الكعبة , وذلك لكثرة الزحام وتعرض الثوب للاحتكاك به , لذا أولت إدارة المصنع جل اهتمامها في المحافظة على ثوب الكعبة المشرفة , وذلك بتكليف عدد من الموظفين بصيانة الثوب على مدار الساعة , لملاحظة أي تمزق للثوب وإصلاحه ، كما يفتح المصنع أبوابه للزوار خلال شهر رمضان المبارك , من الساعة العاشرة صباحاً , حتى الثالثة بعد الظهر ماعدا أيام الإجازات. وقد أصبح المصنع الآن معلماً بارزاً من معالم العاصمة المقدسة يزوره كل عام الالاف من مختلف أنحاء العالم , ومن كافة المستويات يسجلون بإعجاب وتقدير ما وصل إليه المصنع من تطور وازدهار في عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله الكسوة بالعهد السعودي من جانب آخر فقد ظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل من مصر عدة قرون ، باستثناء فترات زمنية قصيرة ولأسباب سياسية، إلى أن توقف إرسالها نهائياً من مصر سنة 1381ه .. حيث اختصت المملكة العربية السعودية بصناعة كسوة الكعبة المشرفة إلى يومنا هذا .. والجدير بالذكر أن اهتمام المملكة بصناعة الكسوة يرجع إلى ما قبل عام 1381ه أي منذ عام 1345ه ، وذلك حين توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد حادثة المحمل الشهيرة في العام السابق 1344ه . فلما كان عام 1345ه، وحان وقت مجيء الكسوة الشريفة من مصر، منعت الحكومة المصرية إرسال الكسوة المعتادة للكعبة المعظمة مع عموم العوائد مثل الحنطة والصرور وما شاكل ذلك، التي هي من أوقاف أصحاب الخير إلى أهل الحرمين منذ مئات السنين . ولم تملك منها الحكومة المصرية شيئاً سوى النظارة عليها لأنها الحاكمة على البلاد . ولم تشعر الحكومة السعودية بذلك إلا في غرة ذي الحجة من السنة المذكورة ، عندئذ أمر الملك عبدالعزيز آل سعود (طيب الله ثراه) بعمل كسوة للكعبة المشرفة، بغاية السرعة . وعملت كسوة من الجوخ الأسود الفاخر مبطنة بالقلع القوي ، ولم يأت اليوم الموعود لكسوة الكعبة المشرفة، وهو يوم النحر العاشر من ذي الحجة من عام 1345ه ، إلا والكعبة المعظمة قد ألبست تلك الكسوة التي عملت في بضعة أيام . وفي مستهل شهر محرم 1346ه، أصدر الملك عبد العزيز، أوامره بإنشاء دار خاصة بصناعة الكسوة، وأنشئت تلك الدار بمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكةالمكرمة، تمت عمارتها في نحو الستة الأشهر الأولى من عام 1346ه، فكانت هذه الدار أول مؤسسة خصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بالحجاز منذ كسيت الكعبة في العصر الجاهلي إلى العصر الحالي. وأثناء سير العمل في بناء الدار كانت الحكومة السعودية تقوم من جانب آخر، ببذل الجهود لتوفير الإمكانيات اللازمة للبدء في وضع الكسوة والتي تتألف من المواد الخام اللازمة لمصنع الكسوة من حرير ومواد الصباغة، ومن الأنوال التي ينسج عليها القماش اللازم لصنع الكسوة، وقبل كل ذلك وبعده توفير الفنيين اللازمين للعمل في شتى المراحل. وعلى الرغم من أن هذه العناصر الأساسية التي يجب توفرها لمصنع الكسوة، لم يكن أي منها متوفراً لدى المملكة حين ذلك، فقد بذلت الحكومة السعودية جهوداً كبيرة في سبيل توفيرها في الوقت المناسب وقد تحقق لها ذلك . حيث تم بناء المصنع الجديد من طابق واحد في ستة أشهر . وفي أول رجب من نفس العام 1346ه، وصل من الهند إلى مكةالمكرمة اثنا عشر نولاً يدوياً، وأصناف الحرير المطلوبة ومواد الصباغة اللازمة بذلك والعمال والفنيون اللازمون وكان عددهم ستين عاملاً، أربعون منهم من (المعلمين) الذين يجيدون فن التطريز على الأقمشة، وعشرون من العمال المساعدين. وعند حضورهم إلى مكةالمكرمة نصبت الأنوال و وزعت الأعمال وسار العمل على قدم وساق في صنع الكسوة وتطريزها، حتى تمكنوا من إنجازها في نهاية شهر ذي القعدة عام 1346ه. والجدير بالذكر أن تلك الكسوة صنعت على غرار الكسوة المصرية، فكانت على أحسن صورة من حسن الحياكة وإتقان الصنع وإبداع التطريز، يزينها الحرير الأسود الذي نقشت عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله) على شكل رقم (8) وفي أسفل التجويف (يا الله) وفي الضلع الأيمن من أعلى الرقم (8) (جل جلاله) وكذلك في أعلى الضلع الأيسر (جل جلاله). أما الحزام فكان عرضه مثل عرض الحزام الذي كان يعمل في مصر، مطرزاً بالقصب الفضي المموه بالذهب . أما تلك الكتابات التي كتبت على الحزام فهي نفس الآيات القرآنية التي كانت تكتب على حزام الكسوة المصرية في جميع جهاتها باستثناء الجهة الشمالية المقابلة لحجر إسماعيل عليه السلام، حيث كتب على الحزام من تلك الجهة، العبارة التالية (هذه الكسوة صنعت في مكة المباركة المعظمة بأمر خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية). وأما البرقع (ستارة باب الكعبة المشرفة) فقد صنع أيضاً على غرار البرقع المصري وكتبت عليه نفس الآيات القرآنية والعبارات التي كانت تكتب على برقع الكسوة المصرية، باستثناء المستطيلات الأربعة التي تتوسط البرقع والتي كان يكتب عليها عبارة الإهداء في الكسوة المصرية ، حيث استبدل بها قوله تعالى : (وقل جاء الحق وزهق البطل إن البطل كان زهوقاً – وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً) (سورة الإسراء: 81-82) .. ثم أضيفت في ذيل البرقع دائرتان صغيرتان مكتوب في داخلهما عبارة : (صنع بمكةالمكرمة سنة). وقد كسيت الكعبة المشرفة في ذلك العام 1346ه، بهذه الكسوة التي تعتبر أول كسوة للكعبة تصنع في مكةالمكرمة . و ظلت دار الكسوة بأجياد تقوم بصناعة الكسوة الشريفة منذ تشغيلها في عام 1346ه، واستمرت في صناعتها حتى عام 1358ه .. ثم أغلقت الدار ، وعادت مصر بعد الاتفاق مع الحكومة السعودية إلى فتح أبواب صناعة الكسوة بالقاهرة سنة 1358ه ، وأخذت ترسل الكسوة إلى مكةالمكرمة سنوياً حتى عام 1381ه . ثم توقفت مصر عن إرسال الكسوة الشريفة منذ ذلك التاريخ . وقامت الدولة السعودية بإعادة فتح وتشغيل مبنى تابع لوزارة المالية بحي جرول ، يقع أمام وزارة الحج والأوقاف سابقاً، والذي أسندت إليه إدارة المصنع ، ولم يكن لديها وقت لبناء مصنع حديث . وقد ظل هذا المصنع يقوم بصنع الكسوة الشريفة إلى عام 1397ه . حيث نقل العمل في الكسوة إلى المصنع الجديد، الذي تم بناؤه في أم الجود بمكةالمكرمة، ولازالت الكسوة الشريفة تصنع به إلى يومنا هذا. في عهد الرسول والخلفاء كان من الطبيعي ألا يشارك الرسول صلى الله عليه وسلم في إكساء الكعبة المشرفة قبل الفتح، وذلك لأن المشركين لم يسمحوا له بهذا الأمر، إلى أن تم فتح مكة، فأبقى صلى الله عليه وسلم على كسوة الكعبة، ولم يستبدلها حتى احترقت على يد امرأة تريد تبخيرها. فكساها الرسول صلى الله عليه وسلم، بالثياب اليمانية ، ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده ، أبو بكر وعمر بالقباطي ، وعثمان بن عفان بالقباطي والبرود اليمانية . حيث أمر عامله على اليمن (يعلى بن منبه) بصنعها فكان عثمان أول رجل في الإسلام ، يضع على الكعبة كسوتين ، أحدهما فوق الأخرى . أما علي (رضي الله عنه) فلم يذكر المؤرخون أنه كسا الكعبة ، نظراً لانشغاله بالفتن التي حدثت في عهده . في العصر العثماني بعد أن بسط السلطان سليم الأول سيطرته على بلاد الشام، ودخل القاهرة في شهر محرم 923ه ، ودخل الحجاز سلمياً في حوزة الدولة العثمانية ، ومن ثم اهتم أثناء إقامته في مصر بإعداد كسوة الكعبة المشرفة وكسوة لضريح الرسول صلى الله عليه وسلم، وكسوة لمقام إبراهيم عليه السلام كما صنع كسوة للمحمل جديدة، وكتب اسمه على ذلك الكساء الذي بلغ غاية الإتقان والزخرفة. ومنذ تلك الآونة ظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل سنوياً من مصر من ريع الوقف الذي أوقفه الملك الصالح إسماعيل، إلى أن كان عهد السلطان سليمان القانوني، فوجد أن ريع هذا الوقف قد ضعف وعجز عن الوفاء، فأمر بشراء سبع قرى إضافة إلى الثلاث السابقة عام 947ه، لتصبح عشر قرى، ينفق من ريعها على الكسوة الشريفة، فأصبح وقفاً عامراً فائقاً مستمراً. وذلك من أعظم مزايا السلاطين العثمانيين لأن مكة كانت لها مكانة، خاصة في نفوسهم، فكانوا ينتهزون أي فرصة للتعبير عن محبتهم واحترامهم للأمراء وأهل مكة، بوصفهم منتسبين إلى آل البيت. استمرت مصر في إرسال الكسوة والمحمل إلى مكةالمكرمة حتى عام 1221ه . إلا أنه في العام الثاني، كان المد السعودي على مكةالمكرمة في عهد الإمام سعود الكبير، فتقابل مع أمير المحمل المصري وأنكر عليه البدع، التي تصحب المحمل من طبل وزمر وخلافه، وحذره من معاودة المجيء إلى الحج بهذه الصورة، فتوقفت مصر عن إرسال الكسوة الخارجية، فكساها الأمير سعود الكبير كسوةً من القز الأحمر ، ثم كساها بعد ذلك بالديباج والقيلان الأسود، من غير كتابة . وجعل إزارها وكسوة بابها (البرقع) من الحرير الأحمر المطرز بالذهب والفضة. وبعد سقوط الدرعية على يد جنود محمد علي باشا، وعودة السيادة العثمانية على الحجاز استأنفت مصر إرسال الكسوة في عام 1228ه، في إطار جديد، وهو الصرف على شؤون الكسوة من الخزانة المصرية مباشرة بعد أن كان ينفق عليها من أوقاف الحرمين الشريفين. ولكن الخديوي محمد علي باشا حل ذلك الوقف، وادخل إيراداته الخزانة المصرية. وقد ترتب على ذلك أن أصبحت الظروف السياسية وطبيعة العلاقات مع حكومة مصر والسلطات الحاكمة في الحجاز تؤثران إلى حد كبير في إرسال الكسوة من مصر أو توقفها.(المصدر : مصنع كسوة الكعبة المشرفة) الجدير بالذكر أن كسوة الكعبة المشرفة تعد أغلى ثوب بالعالم بتكلفة حوالي 22 مليون ريال .. وما مقداره نحو 700 كيلو جراماً من الحرير , ويعمل في المصنع أكثر من 240 صانعاً وإدارياً موزعين على أقسامه المختلفة .