في الأمور العقدية كل يرى بأنه على صواب وأنه يسير على المنهج الصحيح الذي لا لَبْس فيه ولا غبار عليه ، والذي وجد عليه آباءه وأجداده من قبل – دون أن يفكر يوما هل هو على الحق فعلا أم أنه يتجه في طريق كثير الاعوجاج ! والمشكلة أن يصبح ذلك المعتقد يمثل انتماء للعشيرة أو المكان وبالتالي يزيد التعصب الأعمى دون إدراك الحقيقة التي يغيبها الجهل بالواقع .. وهنا ينطبق عليه قول الشاعر : وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد وإذا كان الشاعر قد اعترف بالغواية وأظهر المعرفة بالرشاد فإن القوم هنا لا يعترفون بالغواية بل ينظرون إلى أن كل أعمالهم وأشكال عباداتهم هي قمة الرشد .. لأنها في الأساس مغلفة بالجهل الذي يجعل صاحبه يعيش في التيه .. يمشي كالأعمى لا يبصر معالم الطريق وما فيه وما يؤدي إليه . تذكرت ذلك عندما رأيت مشاهد لحجاج وفدوا إلى الديار المقدسة من أماكن بعيدة لم أسمع منهم تلبية لله المعبود الكريم الخالق العظيم .. بل صرفوها لخلق مثلهم من عباد الرحمن ! نتيجة التضليل واتباع الجاهلين وربط الدين بأحداث التاريخ وليس بما تنزل من الوحي المبين على الرسول الأمين عليه الصلاة وأتم التسليم . وإذا كنا نفهم أن أعداء الإسلام حرصوا بعد وفاة الرسول عليه السلام على التفريق بين المسلمين ليكونوا شيعا وأحزابا متفرقة .. ولا يزالون يمارسون نفس الدور لإضعاف الأمة والإجهاز عليها . لذا فإن المطلوب أن يتنادى علماء المسلمين من كافة الطوائف والمذاهب لإحكام العقل بعيدا عن التعصب والتشنج ، للبحث عن كل ما يخل بالدِّين والعمل على اتباع النهج الرباني القويم بعيدا عن التشك بالمرجع الواحد الذي تنغلق فيه المفاهيم لتصبح أسيرة تلك المرجعية المختلة ، بما يعتري بعضها نقص وخلل واضح . ولعل إقامة مركز لحوار المذاهب بلا تعصب ولا تشنج يرتقي فيه الفكر بشكل حضاري لا بشكل عدائي يكون من مهامه الأساسية السعي لإظهار الحق والابتعاد عن الباطل والتخلص من عوامل الكراهية ومظاهر العزاء وجمع المسلمين على كلمة سواء ، بما يتبعها من توعية وتصحيح على كافة المستويات . فالأمة بحاجة إلى ذلك عاجلا ، والله الموفق.