«الانتماء» حاجة إنسانية تدفع المنتمي إلى النشاط باتجاه المجموعة التي ينتمي لها، و«التعصب» هو حالة ذوبان أعمى في المجموعة المنتمي لها، وفكرة التعصب واحدة وإن كانت تطبيقاتها تختلف باختلاف شكل المجموعة المتعصب لها سواء كانت دينية أو سياسية أو فكرية أو رياضية أو إقليمية أو قبلية ونحوها. العمود الفكري لفكرة «التعصب» هو نصرة المجموعة المنتمي لها على طول الخط سواء كانت مظلومة أو ظالمة، والمدافعة عنها بحق وبغير حق، فشعار «عليهم عليهم» يردد بلا وعي، والثقافة التعصبية تسيرها عقلية (وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد). «المتعصب» لا يدله الدليل إلى الحقيقة، بل يبحث عن الأدلة التي تخدم الحقيقة التي يريد، فالأحكام محسومة سلفاً وما عليه إلا حشد الأدلة المناسبة. «التعصب» يبرمج العقل على بناء أفكار سلبية عن الآخر، ويوجه طاقة هذا العقل لمعارك تافهة صغيرة لا تستحق. «المتعصبون» يقعون فريسة سهلة للدعاية المضادة، لأن «المتعصب» يتقبل الرسائل الدعائية بمشاعره لا بعقله، وتجعل من دواخلهم بطاريات جاهزة للشحن مع كل حدث، ويخدعون بسهولة من «تجار التعصب» الذين يحققون ذواتهم بسكب البنزين على جمرة المتعصب. «شعار المتعصب» : (مجموعتي صواب لا تحتمل الخطأ، وخصمي خطأ لا يحتمل الصواب)، فالمتعصب لديه ميكرسكوب عالي الدقة وبارع في تنبيش أخطاء الآخر، وفي المقابل تجد عينه عمياء عندما تسقط على أخطاء مجموعته التي يتعصب لها، وأشعته لا تكشف إلا بياض مجموعته وسواد خصمه، ونتائج المتعصب تدور ما بين اختزال ظالم أو تعميم أعمى. روح «التعصب» تجعل كره الخصم هو أعلى درجات الحب للكيان المنتمي له، وتكريس العداء للآخر وتمني الضرر له هو أرقى درجات الولاء. «التعصب» ثقافة مغلقة تحبس الفرد في زاوية لا أبواب لها مع الآخر، وكما يقول أرسطو: (العقل الضيق يقود دائماً إلى التعصب)، والعلاج يكمن في «التسامح» ، والانتماء للحق أولاً، فالتسامح مرونة نفسية وعقلية تهبك الانسجام مع الآخر الذي يختلف عنك، والانتماء للحق يظبط مدخلات الأدلة ومخرجات الأحكام، وكما قيل في الأثر (كن للحق عبداً، فعبد الحق حر).