من رحم المعاناة تخرج عصارة الابداع ويتشكل نموها توزيعاً في خاصرة الزمن تباريحَ وحزناً.. وابتسامات فرح في عز الألم.. عندها لا تكون القصيدة ملكاً للشاعر بقدر ما هي ملك للمصدر الذي أشعل ذائقة العبارة بحجم التحريض. واستدعاء التفاصيل بكل مسافاتها ومنعطفاتها. وما أسوأ ان تنحصر في سواد طارد لكل الألوان.. هكذا كان شعراء فلسطين الذين تقاسموا الآلام في مشاهد العزاء تحت أشجار زيتون تتمايل أغصانه دون رياح.. إلا من تأثير السلاح أو من الهجير تكتوي الاجساد وتعلو أصوات الزفير. ولا عزاء إلا من صياغة الكلمة أمام بقايا اشلاء طفل صغير.. قتلته رصاصة محتل حقير!! وكما كان لمراحل العدوان رواية وقصة. كان لشعراء فلسطين مع القضية والتاريخ.. ما جعل كل منهم على الدنيا قصيدة وقصة تتوزع أبياتها وفصولها ما بين النضال بالعبارة والنص في منابر الوصف والشكوى من قهر الاحتلال أحيانا ومن ممارسات المتاجرين من آباء القضية من الناحية الاخرى. والذين قال عنهم غسان كنفاني يوماً: إذا كان فشلنا نتيجة المنافقين .. فان علينا تغيير المدافعين والابقاء على القضية!! غير أن المشهد بعد مرور زمن طويل من اغتيال الأديب الفلسطيني الكبير يأخذنا الى عالم أولئك الشعراء الذين حفروا خنادقهم صدقاً وأملاً وتحريضاً. بدءاً بمريد البرغوثي وابنه تميم وفدوى طوقان وصولاً الى سميح القاسم ، الذي كان آخر الراحلين بعد رفيق دربه في شعر النضال محمود درويش. نضال كان ومازال حياً في طرقات التيه.. وفي تنهيدات الثكالى.. خاصة وقد كان بيانه قبل الاخير في ثنايا الدمار ورباعيات الموت.. ورايات بعيدة عن مقابر ضحايا المجزرة في وجباتها اليومية المهدرة دون الاكتفاء بالحشود وجحافل العسكرة.. وخيانات تجار "السمسرة" من الداخل. وقادة يرددون "حماساً" من عواصم لا تتجاوز النفاق والزمجرة!! وهذا قيثارة فلسطين سميح القاسم الذي كان آخر الراحلين وهو يقول للاعداء . يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم.. وتسقط الأم على أبنائها القتلى.. ولا تستسلم.. ثم يناديهم في مقطوعة ثانية.. تقدموا.. تقدموا.. بناقلات جندكم.. وراجمات حقدكم.. وهددوا.. وشردوا.. ويتموا.. وهدموا.. لن تكسروا أعماقنا.. لن تهزموا أشواقنا.. نحن القضاء المبرم.. بهذه العبارات من قصيدة لم تكتمل أبياتها أمام قصص غزة ومعاناتها.. ومسلسل تراجيدي خارج تقليدية النصوص.. واحتمال العقول.. في عالم عربي يعيش النكوص والعودة الى أربطة خيول ضاعت كل سروجها . وداستها أقدام اقنعة السواد بالفساد.. لتنتعش شعارات أرض الطموحات وأحلام الميعاد. فلسطين يا من خاطبك السياسيون والشعراء .نحن نشهد اليوم الذين يزايدون على مصيرك من المتكسبين وزعامات من ورق ترفع شعاراً كاذباً يغرق في جزيرة منفيه يتناغم فيها العبث مع رقصة الزار وحضور جنون (الصعاليك) في غياب العقل العربي .. فلسطين يحصل كل هذا وسكانك هائمون في ساحات العراء.. قولي لنا هل نعيش الانتظار للاجابة عن محاور النضال.. ويا أرض هل تلد الرجال؟.