أ. د. بكري عمر العمري منذ انتهاء الحرب على العراق دشنت امريكاوبريطانيا ما نتخيله أو نتمناه نظاماً عالمياً مما أحدث تطورات في كل مكان، وفي كل القيم من خلال سراب مشروع الاوسط الكبير الذي شنه كل من بوش (الابن) وتوني بلير (رئيس وزراء بريطانيا السابق) و(كونزاليزا رايس) وزيرة الخارجية الامريكية السابقة من خلال ما يسمى (بالفوضى الخلاقة). اذن فان الفوضى الخلاقة تؤكد لو تعددت الوجوه فان تطبيق مفهوم (الفوضى الخلاقة) وقد استخدمها الوجوه الثلاث بتنفيذها في الشرق الأوسط من خلال مبدأ (العصا والجزرة). ومن هذا المنطلق (أثبتت واشنطن ولندن على الا تدع أي مناسبة تمر دون ان يخرج صقورها الثلاثة لتتباهى بالانجاز المتمثل في دول منطقة الشرق الاوسط نحو (مفهوم الفوضى الخلاقة). لذلك ارتفع الغطاء منذ ايام باعتذار (توني بلير) عن مشاركة بريطانيا في حرب "العراق" لان ما تم اتباعه من ترجمة مغايرة تماماً لمفهوم (الفوضى الخلاقة) التي تنادي الصقور الثلاثة عليه بانها (فوضى الارهاب.. او ارهاب الفوضى). فمشكلة الشرق الاوسط في ضوء هذا التفسير لمفهوم الفوضى الخلاقة بمعنى ارهاب الفوضى ويقولون ان العالم العربي لا يتعامل مع عدو واحد بل مع اعداء مختلفين ومتشابكين في الاتجاهات والاغراض، فبعضهم اعداء غير مرئين، وغير معروفي الجنسية او الهوية ولا معروف من يقف وراءهم، وكثير من المعلومات التي بثتها التقارير الامريكية في هذا الصدد لا يوافق الحقيقة. وواقع الامر ان ثقافة الفوضى واشاعتها في الشرق الاوسط لاثارة الفتن وقتل الابرياء تقف وراءها مؤسسات متعددة لرفع شعار الفوضى الخلاقة تسبح في سراب الديمقراطية في الشرق الاوسط. فبنطرة واقعية وقانونية نجد ان الفوضى الخلاقة التي نادت بها الشخصيات الثلاث انما هي ضد الاستقرار والامن لان مفهوم الامن والاستقرار ينص على احترام سيادة الدول وقوانينها وتشريعاتها. لذلك فمن زاوية متخصصة في سلسلة أعمال الفوضى الارهابية أدت الى ارتكاب أعمال عنف في دول الشرق الأوسط ترجمتها العمليات التي تنفذ ضد قوات الامن، ومروراً بالمذابح ضد المدنيين، وعمليات خطف الرهائن، لتؤكد ان اساسها نابع من ثقافة ما يسميه اصحاب (الفوضى الخلاقة). فالفوضى في مفهوم عام وشامل انواع مختلفة منها الفوضى المرورية الممثلة في مخالفة قوانين المرور، الفوضى التجارية في رفع الاسعار وكذلك استيراد الادوية المزيفة والسلع المقلدة، مخالفة لقوانين الدولة التي تحمي المستهلك وكذلك الفوضى الادارية التي ترتكبها بعض الدوائر مخالفة لنظام الدولة، وغيرها من اعمال الفوضى في الحياة اليومية. لذلك نرى ان فلاسفة الفوضى في أي مجتمع يعاقبهم القانون، ويراها اساتذة القانون ان اشاعتها تهدد حياة المواطنين أماناً واطمئناناً، فالفوضى في ممارساتها المتعددة التي اشرنا اليها سابقاً وفي صورها المختلفة والمتعددة تعتبر عدواناً على الاوطان الآمنة. ولمواجهة الآثار السلبية لمفهوم الفوضى الخلاقة بكل اشكالها وانواعها فان على الامة العربية والاسلامية ان تصون مجدها وان تتماسك ولا تتفرق كما قال تعالى : "ولا تتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". فمن هذا المنطلق نرى ان ما ورد في الآونة الاخيرة على الساحة الامريكية والبريطانية تقودنا الى القول ان اعمال العنف وارهاب الفوضى بعيدة كل البعد عما يدعوا اليه الاسلام، والتعبير عن الرأي لا يكون بالقتل والهدم. وللانسان في الاسلام ان يقول كل ما يريد، فابوبكر الصديق عندما تولى القيادة قال (إني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني) فرد عليه عمر ابن الخطاب قائلا: (لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه). خلاصة القول ان محاربة هذه الاخطار للفوضى الخلاقة اقول بكل صراحة وصدق هو التمسك بنص الآية الكريمة (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) ويكفي هذا بياناً للردع لكل من يتبنى مفهوم الفوضى الخلاقة لزعزعة حياة المجتمع واستقراره وأمنه.