تزوج لينسى، فوجد نفسه يعيش مع زوجته جسدا بلا روح. قطع تذكرة ليهرب من ماضيه، وكل ما يربطه بوفاء. فتوحدت كل الطرق في طريق واحد يقوده إليها. لم يكن لزوجته من ذنب، سوى أنها طمحت كغيرها من قريناتها، لبناء بيت سعيد مع رجل يحبها ، ويقدرها حق قدرها، وينزلها منزلتها. رجل يكون لها الزوج، والحبيب، والصديق، ويحسسها بالأمان الذي فقدته منذ رحيل والدها، وهي في أمس الحاجة إلى عطفه، وحنانه. كما لم يكن له هو كذلك من ذنب، سوى أنه أحب بصدق، وآمن بالحب، وبنى في خياله أحلاما، قبل أن تسرق منه الأيام بسمته، فسارع إلى الزواج لعله ينسى، ولم ينس. في الواقع، لم يكن يحس تجاه زوجته بأية عاطفة، أو انجذاب. فرغم جمالها، ولطفها، وانعكافها على خدمة والده الذي نخر المرض جسده الضعيف، إلا أن إحساسه نحوها لم يتعد الاحترام. خاصة وأن أباه تعلق بها، وكان دائما يوصيه بها خيرا. حاول كثيرا أن يحبها، لكنه فشل. فوفاء مازالت تسيطر على أفكاره، وتمتلك مفاتيح قلبه، رغم علمه بزواجها من رجل أعمال ثري، لبى مطالب، واطماع أمها ليطير بها إلى بلاد العم سام ، حيث يمتلك فرعا لإحدى شركاته العالمية. فكل ما أصبح يربط شريف بزوجته هما إبناهما اللذان رزقهما بهما الله لعلهما يحدثان بعضا من الضجيج في صمت حياتهما. فالولد كثيرا ما يلازم جده، الذي تغريه فيه بعض حكاياته، وأحجياته. أما البنت فإن لم تستطع فعل شيء يناسب سنها، فإنها تنطلق في تقليد أمها، مما انتزع من الزوجين الضحكة انتزاعا. فكرا مرارا في الانفصال، حين احسا باستحالة الحياة الزوجية بينهما، وصعوبة الاستمرار. لكن رغم خلافاتهما المستمرة، فلا هو تطاوعه نفسه على كسر قلبها، وتحطيم أسرته، وتشريد إبنيه، بل وترك والده دون رعاية. ولا هي تعرف أين ستولي وجهها لو انفصلت عنه، بعد رحيل والديها، وبيع بيت العائلة من طرف أخيها البكر، لتتقطع بها السبل. لهذا حاول كل منهما دفن مشاكله مع الآخر، في دفاتر دراسة إبنيهما، ليجدا في ذلك قاسما مشتركا يجمع بينهما من حين إلى آخر. فكل منهما أوقف حياته على نجاح الولد، والبنت في الدراسة، وكان لهما ذلك، حيث أظهرا تفوقا كبيرا، يبشر بمستقبل زاهر. قد تكون تلك هي الحالة الوحيدة، أو السبب الرئيسي في إعادة بعض الهدوء ، والسكينة إلى أجواء البيت، رغم محاولتهما الدائمة مراعاة مرض الوالد الشيخ، والعمل على عدم إزعاجه. وعبثا حاول الأب إقناع إبنه بأن الحب الحقيقي كثيرا ما يأتي بعد الزواج كما حدث بينه، وبين والدته الراحلة، ولكنه فشل. صغير هو العالم رغم شساعته، ودوار هو الزمن. فقد يأتينا بما لا ننتظر، ويحفر بحارا بيننا وبين ما ننتظر. ذات يوم وهو يمر جنب بيت إبنة خالته، والتي تربت معه، وصارت بمرتبة أخته، حدثته نفسه بزيارتها للاطمئنان عليها، رغم عدم انقطاع الاتصالات الهاتفية يوما. دق الجرس، وكان ينتظر أن تفتح الخادمة، لكن ليلى بنفسها هي التي فتحت الباب. وقبل حتى أن ترد السلام، دفعته للخلف بقوة وهي تهمس: -روح يا شريف روح. أجل الزيارة لمرة أخرى. أصابته حيرة شديدة، واضطراب، وهو يتمتم: -مالك يا ليلى؟فيه إيه؟ مش عاوزاني أدخل ليه؟ كان يتحدث، وهو يشرئب بعنقه، محاولا استكشاف الامر. -شريف أرجوك، وفاء هنا، ولا يمكنك الدخول. -وفاء. . . وفاء. . . تعرفيها منين أنت؟ -يا شريف زوج وفاء طلع صديق حميم لزوجي. وجاء ليزورنا بعد رجوعه من أمريكا. -طيب. . . وإيه عرفك أنها هي؟ -أنا امرأة يا شرريف. من إسمها، واسم عائلتها، ومقر سكنها، استنتجت تأكد شريف من الأوصاف التي ذكرتها ليلى أنها هي. فراح يتوسل إليها بكل الوسائل أن تدعه يدخل، ليراها فقط واعدا إياها بأن يتحكم في نفسه، ويبقى صامتا. بعد الرفض، أذعنت ليلى لطلبه. فبغض النظر عن هذا، أو ذاك، هو ابن خالتها، وأخوها. ما أن خطى الخطوة الأولى في غرفة الاستقبال، حتى تسمر في مكانه. إنها هي. تلك التي سافرت ذات صيف، وأخذت معها قلبه، لتتركه دون قلب. كانت ملتصقة بذراع زوجها، غير منتبهة لدخوله. لكن ما أن سمعت صوته وهو يلقي السلام حتى انتفضت، وراحت تلتهمه بعينين زائغتين. نظر إليها طويلا، ثم سلم على زوج إبنة خالته الذي قدمه لصديقه، قبل أن يتخذ لنفسه مكانا. فجأة رن هاتفه. -الوووو -الووووو شريف، أنت فين؟ تعال بسرعة، محمد حرارته مرتفعة جدا، ويهذي. -إبني حبيبي، ماله، ما تخافيش يا حبيبتي أنا جاي. مسافة السكة. خرج يجري دون إلقاء سلام، تاركا وفاء تتضاءل في أريكتها، بينما في الجهة الأخرى كانت سعاد تغسل الهاتف بدموعها وكلمة (حبيبتي) تهز كل كيانها. ( ( انها صورة أيامي على مرآة ذاتي عشت فيها بيقيني وهي قرب ووصال ثم عاشت في ظنوني وهي وهم وخيال ثم تبقى لي على مر السنين وهي لي ماض من العمر وأتي كيف انساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي انها قصة حبي ) ولحديث القلوب شجون لا تنتهي