عندما تطالع ديوان القصيدة الأخيرة للشاعر عبد الرحيم الصديقي يجذبك الكتاب من غلافه الأنيق واسم هدى على ورقه شجر فضية بارزه مكتوب عليها تاريخ 2002 – 1970 ، هل هي ورقه شجر أم شاهد قبر ؟! وحينما نفتح الكتاب نجد ورقه الشجر مفرغه في الكتاب بالكامل حيث يتنقل الشاعر بخفه بين الضمائر فالشاعر يهدي الديوان الى حماه الخال ( بو جمال )وفى لمسه الوفاء يهدى الأخت كما يناديها أولاده (خاله أمل ) وكأن الخال/الخاله بدل للحنان.لكن ماهي القصيدة الأخيرة ؟ هل هي قصيده الشاعر الأخيرة ؟!انها رؤيه دراميه تشكيلية بصرية مرسومة بعامية رقيقة .انها دراما الحب والفقد والوفاء في أبهى صوره يدخلنا في تفاصيل علاقه الحب"وأتخيل أنى يمكم/ أمسك ثيابك وأشمك"هكذا يتمنى ان يطول العناق ، فيبدأ في دراما رائقة يسرد تفاصيل بداية علاقتهما حتى الفقد وتشاركهم الفقد الطبيعة"أه… حتى شمس الصبح من حرقتها تسأل"وعن شعوره بالوحدة وسط أثاث البيت الذى اختارته" رحتي عنى/وبيتي هذا صار فندق/وصرت انا في البيت زائر" بداية علاقتهما يساعدها ف المذاكرة ويتذكر في رصد دقيق للمشهد خوفه من لمس يديها من نظرة أخواتها." تذكرين الخطبة في البيت القديم/وثوبك الاخضر ونغزات العجائز والحريم/ لما قالوا لك يا طفله وقالوا عن عبد الرحيم/يا صغير يا هل والله فاكر"يستحضرها أمامه في دراما شفيفة ويذكرها بأيام الخطبة وتعليقات العجائز عن صغرها "اسمعيني/ هذا أول اعتراف/ كنت خايف مرتبك بالبشت وصابر/ كنت أحس الشبكة من أيدى أتناثر/ ويوم تبادلنا الخواتم روحي ردت لي يا ساتر " ونلاحظ حرص الصديقى على توظيف التفاصيل / الإكسسوارت / الملابس / في التعبير عن الحالة البشت – الشبكة – الخواتم ….الخ لتقريبنا من الحالة.ونجد تعبيره الأخير ( يا ساتر ) يدخلنا في الحالة بحرفية الدراماتورجى وكأن الروح فعلا عادت له يومها . بينما على العكس لما حدث قطع لشهر العسل بسبب ظروف عمله لم تغضب لكنها تعاملت بأريحية. "لما ألغو لى الإجازة وف جدولي لابد أسافر/ يا قصر العسل مسكين عابر/ ما زعلتي وقلتي أمر/عمرنا كله عسل لا تخاف سافر "و رد فعلها الدال على عمق المحبة والتقدير" يا حلاوة اليوم ذاك كان كامل/ لما جيتي لى بهدوئك وقلتي حامل/ قلت سكنى عيوني اتوحمى مثل الحوامل/ا تدلعي …… انا خدامك "ويرصد حين أكتشف حملها وفرحه بها ثم تتوالى الذكريات على هذا النسق يذكر الأحداث وتفصيل حياتها مؤخرا كل مقطع بتاريخه الفعلي . من ميلاد ابنته مريم والأبن ناصر/ ماجد "كنت انا مسافر وكنت أبغيه ناصر ما يهم اختلفنا في الاسم والأهم أتفقنا نحبه ماجد…والا ….ناصر " مبينا مدى التسامح بينهما في الاتفاق على الحب فقط ثم يحكى عن نوره ( احلى غلطه ) ويتذكرها معبرا عن رحابة صدرها واحتواءها له :((يا هدى/ صدرك مينا وأشواقي بواخر )ويحدثها ( من غيرك تحملني / وما يعاتب ) ( قريتينى وإنما صادق / وسترتينى وأنا كاذب ) ثم يصل لذروه الدراما ف القصيدة الأخيرة حين موتها وكأن الزمن مات فلا وقت بعدها( مات فيني الوقت / وانا أشوفك / بدون أحساس ) ويمزج الشاعر بحرفتيه بين مشهد العرس ومشهد الجنازة "جنازه وناس وأنا بغيرك أبدا م أحس تخيلتك وأنا وياك نتمشى ف الفندق في يوم العرس كأنه أمس كأنه الوقت وقف بس " وتمتد القصيدة مع تعليقه الأخير ( القصيدة لم تنتهى ) يقرر لنا أنها حاله ممتدة ثم في الفراغ التشكيلي للديوان يضع لنا صفحه سوداء ونجد القصائد القصيرة التالية للقصيدة الأخيرة هي امتداد لها ،فقصيده ( حنين ) يمزج بين الحبيب والوطن ( الوطن انته / وبعدك / لا وطن ) أما قصيده شعره وجاكت " بعد شهور لقيت شعره على جاكيتي الشتوي شعره من حرير أسود شعره من عطر راسك نساها الوقت على الأكتاف تتوسد "يستحضرها الشاعر بشكل مؤثر ويحدثها عن شعرتها التي وجدها على الجاكت أما( يا قصيده)" ما زلت أشوفك كل يوم وأنتى في الغرفة الجديدة أشرب القهوة من أيدك وأقرا برجك في الجريدة وأغسل همومي وافضفض وتضحك عيونك … قصيده " جمل شعريه صافيه بالحنين والتوق لها. وقصيده (عيد الميلاد )" ما أتصور كيف أكبر وأنته فجأة ما تكبر رحلت ومات سبتمبر " يتوقف الشاعر أمام حقيقه صعبه فهى ماتت في عمر محدد أما هو يكبر .. !؟وتركته و مات معها سبتمبر الشهر الذى رحلت فيه.أما نهاية الديوان " أختي أمل أطفالي أنتى أمهم أسفه أمل أدرى أنا حملك ثقيل دربي انتهى وان شا الله لك درب طويل " يفسر لنا سر لمسه الوفاء في بداية الديوان للأخت أمل والتي أخذت محل الأم عند الأولاد .ونلاحظ أن الشاعر حرص ضمن تأريخه للديوان أن يذيل في الصفحة الأخيرة تواريخ ميلاد أبناءه وتاريخ ميلاده ، حاله شعوريه رائقه انسانيه بدرجه امتياز صنعها الشاعر في لهجه واضحه ، ابتعد عن الغريب من المفردات ليوسع دائرة التفاعل معه وألتزم فقط بالرسم السماعي كحال كل العاميات العربية ومن أمثله من الديوان على رسم العامية الخليجية ( منهو ) أي من هو ، (شللي صاير ) أي ما الذى يصير ، ( فيني ) أي في داخلي ، (يا حلاته) أي يا حلاوته ، ( أيش قد ) أي الي أي قدر ، ( وين ) أي أين ،وهناك أدوات مشتركه مع العامية العربية مثل الإشارة بالهاء أي هنا و ربط الجمل ب (اللي) ، واختصار حرف الجر (فى) الى (ف).وهناك تعبيرات شعبيه طرزت النص مثل ( حتى شمس الصبح مين بيقهويها ) أي أنها كانت تكرم شمس الصباح فيما يعنى أن شمس الصباح لن تزورهم .ويقول الشاعر ( فيك كان البيت عامر ) فأستبدل ال (بك) ب(فيك) كعاده العامية الخليجية تحول العلاقة مع الأشياء وكأنها جزء من داخل الأنسان أى أن البيت كان بعنايتها وكأنه داخلها.هكذا حلق بنا الشاعرعبد الرحيم الصديقي إلي عمق الفقد في ديوان يحرض على الوفاء والحب . والديوان صدر من انتاج الشاعر في الدوحة ويوزع مؤخرا في السعودية في دار الكفاح.تحيه لهذا القلم الذي أوجع قلبنا بقدر وفائه.