كثيرا ما كان يشغل ذهني هذا السؤال ، وأجد نفسي في كل زيارة لطبيب محاطة بنوع من التساؤلات التي يقتحم الشك أسوارها ويطرق بابها بعنف ! لماذا يصف الطبيب أدوية جديدة في السوق لشركات غير معروفة !؟ ولم يتحزب بعض الأطباء لبلدانهم بغض النظر عن فعالية الدواء ! كلنا يعرف أن المستشفيات والمستوصفات الحكومية تعتمد أنواعا من الدواء يتم صرفها لكل المراجعين بحسب حالاتهم .. وكل مشفى حكومي يتخذ سياسة معينة وشروطا في اختيار الدواء . وحقيقة يكمن الخلل في أروقة بعض المشفيات والمراكز الطبية الخاصة التي تسمح لمندوبي شركات الأدوية بالتجول بحرية وعرض ما لديهم من منتج ، لا يجد هؤلاء المندوبين صعوبة في إقناع بعض الأطباء العاملين في هذا القطاع الخاص بصرف دواء معين يتم الترويج له في مقابل حوافز مادية يحصلون عليها ، عقود مبرمة في الخفاء وواقع ملموس نصادفه في حياتنا و يمر بالتأكيد على الكثيرين .. ! سأذكر لكم حالتين تدعوان للاستفهام وللشفقة من الحالة التي صار عليها بعض الأطباء ممن ارتدوا القميص الأبيض الطويل لكنهم نزعوا رداء الأمانة المهنية ! تقول محدثتي في أثناء زيارة اعتيادية للطبيبة من أجل استكمال إحدى التطعيمات لابنها موفور الصحة الذي لم يتجاوز السنة ,, بادرتها الطبيبة بورقة دعائية لأحد منتوجات الحليب الجديدة وطلبت بدون مقدمات تغيير الحليب بقولها هذا أفضل ! ما من مبرر لاستبدال الحليب عادة إلا إذا كان الطفل يشكو من سوء الهضم أو ضعفا في النمو لكن الطفل وقتها كان بصحة جيدة .. ولم يكن يعاني من مشكلة ، وقد تكون الصورة الخاطئة للحكم على شرائح المجتمع لدى هؤلاء الأطباء تدل على القصور في فهم ثقافة المراجعين الصحية في زمن الانفتاح والاطلاع ما من أمور تخفى. كانت محدثتي جريئة حين قالت للطبيبة هل سأغير الحليب من أجل الترويج للشركة المنتجة لهذا الحليب ؟ طريقة كسب سريعة ومريحة يلجأ إليها بعض الأطباء في غياب الدور الرقابي المفترض من المستشفى ذاته ومن الجهات المخولة الأخرى .. وطبيبة أخرى كانت أشد ذكاء حين قالت لي في إحدى المرات السابقة وقد وصفت لي مضادا حيويا ( اشتريه من الصيدلية التي بجانبنا وليس من مكان آخر ! ) ابتسمت لها وعقبت بتهكم ولم يا دكتورة ؟! فقالت بفلسفة طبية إن بعض الأدوية مغشوش !! .. مثار تساؤل جديد تطرحه أمامي تلك الطبيبة .. هل كانت تقصد فعلا سلامة الدواء ؟ .. أم كانت حريصة على تسويق الدواء لصالح المستوصف الذي تعمل فيه ؟! كلامها يفتح بابا يقبل كل تأويل وهو حاصل في دول نامية يلقي بالضوء على سلامة الدواء من الغش ، نثق ولله الحمد في حرص واهتمام هيئة الغذاء والدواء السعودية وسلامة الإجراءات المتبعة من الجهات الرقابية الأخرى في التأكد من القيمة العلاجية للدواء وتدارك سلبيات قد تطرأ لاحقا. يبقى منظر مسوقي الدواء بحقائبهم السوداء وبملابسهم الرسمية الأنيقة مألوفا بكثرة .. رسالة أبعثها: متى يأتي اليوم الذي لا يسمح لهم فيه بالتجول؟! الإعلان عن منتج دوائي جديد يفضل قصره على الندوات وبوسائل مختلفة أخرى أكثر تحضرا ،، إن طريقة التجوال هذه تحمل كما من السلبيات وكما من التساؤلات ، وإن طريقة عرضهم المتبعة للدواء وللمنتج وكأنه سلعة تجارية تتطلب فنونا مبتكرة للدعاية يبعث على القلق والإحباط .. حين تتنافس شركات الدواء في الإنتاج وعرض ما لديها بهذه الصورة يلزمنا وضع علامات استفهام إلى متى ؟؟ هذا الأمر يتطلب الوقوف و العمل للحد من هذه الظاهرة المسيئة فعلا للمجتمع أفرادا و مؤسسات .. وقد لا تكون هذه الطريقة المتبعة حرية بالقدر الذي تضيفه القاعدة الطبية التي تولي صحة الإنسان الاهتمام الأكبر من أي مكاسب أخرى .. أتمنى فعلا أن تتضاءل هذه التساؤلات الدائمة والمنهكة جدا والتي سمحت بانطباع سلبي لم أكن أرغب في حضوره في صورته المشككة التي تطال قطاع حيوي مهم جدا في حياة الشعوب .