الدواء حاجة ملحة .. المحتاج إليه ليس في مقدوره الانتظار ، وإلا غادر الحياة، هي ليست سلعة ربح أو رفاهية بل طريق حياة وامتداد عمر ومن يربطها بظروف السوق وقوانين العرض والطلب كأنه يدفع الآخرين إلى الانتحار. هي سلعة لا فكاك منها، فالعالم الذي يتطور كل يوم في الحقل الطبي والصيدلي لن يتوقف أبدا عن الجديد، كما المرض الذي ينهش عظام وأجساد المرضى كل يوم. صحيح أن سوق الدواء تجارة مربحة لأصحابها غير أن الضوابط الإنسانية لا تجعلها تجارة بل فعلا إنسانيا غاية في الدقة. الاحصائيات الرسمية في بلادنا تقول إن الإنفاق على الدواء يزيد على 13 مليار ريال سنويا في ظل تدني الإنتاج المحلي الذي ينحصر في 14 مصنعا فقط يغطي ما نسبته 23 في المائة من حاجة السوق السعودية التي تعد الأعلى في حقل استيراد الدواء.. وفي ذلك يسهل الغش وعمليات التربح غير المشروع وانتشار الأعشاب الطبية المضروبة. يذكر مندوب إحدى الشركات الخاصة بالأدوية (فضل عدم ذكر اسمه) ان شركات الأدوية تطلب من المندوبين والصيادلة الترويج لمنتجات الشركة عند الأطباء لتصل مبيعاتهم إلى نسب معينة تعرف بإسم «الهدف» وأوضح أن نظام الهدف تضعه شركات الأدوية للمندوبين والصيادلة، وهي عبارة عن قيم مالية محددة في حال بيع منتج دوائي معين بنسب عالية. ويقول مندوب آخر أنه ينظم زيارات مرتبة لبعض الأطباء بغرض إقناعهم بمنتج الشركة، ويضيف (كالعادة لا ننسى تقديم هدايا لهم لإقناعهم بجودة وفاعلية أدويتنا). صفقات سرية الصيدلي فرحات العز يقول: إن شراء الأدوية وبيعها يتم بعد الاتفاق بين صاحب الصيدلية والشركة المنتجة للدواء ولادخل للصيدلي في أي منتج لكن هناك بعض الشركات تمنح بعض الصيادلة حوافز كي يبرز منتجاتها الدوائية في موقع متقدم في الصيدلية، ويساهم في بيع الكثير من منتج الشركة، وذكر فرحات أن هيئة الدواء والغذاء تلزم الصيدلي بتوضيح البدائل للأدوية. في المقابل يقول طبيب في أحد المستشفيات إن كتابة الاسم العلمي للدواء على ورقة وصفة الأدوية من الطبيب يعتبر ذو فائدة عالية ويقلص من الاجتهادات في بيع الأدوية. ويتفق معه آخر ويخلص إلى القول إن السبب الأول للمشكلة هو عدم كتابة الاسم العلمي للدواء إلى جانب أن الكثير من الأطباء والصيادلة يأتون إلى البلاد برواتب وأجور ضعيفة ويسعون للتكسب بشتى السبل ولا بد للجهات المختصة في وزارة الصحة التدخل لحسم وردع مثل هذه الممارسات. مندوب شركة أدوية له رأي مخالف ويذكر أن كتابة الاسم العلمي في ( الروشتة ) أو الوصفة الطبية قد يقلل فساد الأطباء، لكنه يفتح الباب على مصراعيه لبعض الصيادلة، لأنه بنفس الوقت سيصرف الدواء الذي يكسبه أكثر من غيره ليس بالضرورة هو الأغلى سعرا، فقد يصرف لك وصفة أقل سعرا لكنه أكثر ربحية في نسبته الخاصة، وليس هناك من حل لهذه المعضلة غير الضمير المهني والطبي ووعي المجتمع بحقوقه. استهلاك الجيوب المستهلكون متفقون أن زيادة جرعات الوعي لدى المستهلك كفيلة بتجنيبهم استهلاك مافي جيوبهم جراء البحث عن الدواء المناسب. وقال احمد سليمان العطوي إنه لايهتم بسعر الدواء حتى ولو غلا ثمنه لكنه يهتم بالجودة والفائدة أولا وأخيرا، وبين أنه يعتمد كثيرا على رأي الطبيب في مدى جودة الدواء وفائدته. في المقابل يطالب خالد القحطاني وزارة الصحة الاهتمام بالدواء وتوفيره في متناول أيدي الجميع حتى لا يضطر المواطن إلى شرائه على حسابه الشخصي من صيدليات التربح والثراء السريع. وتقول دلال وهي أم لطفل رضيع إنها لاحظت في الفترة الأخيرة زيادات غير موضوعية في بعض أسعار العقاقير وحليب الأطفال فيما تشكو فاطمة البلوي من كثرة الأدوية التي تصرفها لها الطبيبة المختصة في أحد المستوصفات الخاصة وتقول ( تصف لي طبيبتي الكثير من الأدوية حتى ولو كان الألم صداعا خفيفا، وأفاجأ في الصيدلية أن قيمة الأدوية التي وصفتها لي الطبيبة باهظة وغالية الثمن، لكنني أضطر لشرائها دائما فالصحة لا يمكن التفريط فيها. من الباب إلى الأرفف الدكتور صالح باوزير نائب رئيس هيئة الدواء والغذاء لشؤون الدواء أوضح أن أسعار الأدوية في المملكة تعتبر معقولة مقارنة مع دول الجوار. مشيرا إلى أن الهيئة تعمل على مراقبة الأسعار وجودة المنتج. كما أن العقاقير المصنعة محليا تخضع إلى رقابة صارمة في جميع مراحلها بدءا بخروجها من المصنع وحتى عرضها في أرفف الصيدليات. وزاد، أن سوق الدواء في المملكة يخضع لحماية مشددة بدءا بمفتشي الهيئة في المنافذ الجمركية مرورا بتسجيل الدواء ثم الوكيل المعتمد، مشيرا إلى أن الهيئة تعمل على مراقبة ورصد أي شحنة دواء قادمة لضمان مطابقتها للمواصفات والتخزين الجيد وخلافه.