مراكز الرعاية الصحية الاولية في جدة لا تسعى الى الناس، ولكنها مصممة ان يسعى الناس اليها، وهذا بخلاف ما يشير اليه روح نظام الخدمة الصحية في المملكة، فهذه المراكز لها اوقات دوام غريبة وعجيبة، ويجب على المرضى ان يتكيفوا مع ظروفها تلك، والا فان عليهم ان يتعالجوا على نفقتهم الخاصة في المصحات الاهلية، التي تكاثرت من حولها وصارت تغص بالمرضى، وبالتالي تثري ثراء كبيرا على حساب المواطن الغلبان، في حين ان وزارة الصحة والحكومة من خلفها تنفق اموالاً كثيرة على هذه المراكز. ولكن نظراً لان المشكلة هي ادارية ( من اساسها، فان الحال التعيس لتلك المراكز ظل ومازال كما هو من سنوات بعيدة، فيما وزارة الصحة تتفرج وكأن الامر لا يعنيها من قريب او بعيد، رغم ما يضج به الشاكون من شكاوي واستغاثات بالوزارة، لا تلبث ان تموت في الهواء، والوزارة (لا تسمع – لا ترى – ولا تتكلم). وإذا استطاع احد ان يصل الى هذه المراكز فانه لن يجد أكثر من خدمة متواضعة هزيلة، وربما ينتزعها المراجع انتزاعاً وكأنها صدقة ثم ان عليه ان يراجعها في اوقاتها المحددة، والتي تخالف راحة وظروف المواطن، حيث يبدأ عملها من السابعة والنصف صباحاً، وحتى الخامسة بعد الظهر، ثم تغلق ابوابها حتى صباح اليوم التالي، اما يومي الجمعة والسبت فانها في (سابع نومة) لانها تأخذ اجازتها في نهاية الاسبوع مثل موظفي الدولة الحكوميين، ومن يحتاج اليها في عطلة نهاية الاسبوع فان عليه اما ان يأتي للوقوف امام ابوابها المغلقة (ليتصور) مثلا، او ان يتوجه ترافقه السلامة الى المستوصف الاهلي المجاور، و(يغمز) محفظته بالكثير من المال، الذي يشكل عبئاً مادياً دون شك على اصحاب الدخول المحدودة، وعلى الفقراء من المواطنين (وما اكثرهم) وهنا تكمن المفارقة او المأساة لا فرق. أنا شخصياً لا أتوقع أن يرد على هذه السطور قسم العلاقات والاعلام في الوزارة، لان اولاً ليس لديه ما يقوله من كلام مفيد (تبرير منطقي) لهذا الدوام العجيب للمراكز الصحية في جدة خصوصاً، حيث انه في مناطق اخرى، ومنها الباحة، التي تفتح ابوابها (للطوارئ) حتى الثانية عشرة ليلاً.. وثانياً لان الوزارة فيما يبدو لا تحس بمعاناة الناس وقيمة الوقت وأهميته عندهم، والا ما معنى ان يظل المركز الصحي يعمل بدوام واحد متواصل، وان على الموظفين ان يغادروا وظائفهم الى بيوتهم لأخذ المرضى من الاطفال والنساء والشيوخ لمراجعة المستوصف الذي يعمل وقت الدوام المتزامن مع المرافق الرسمية، ثم لا يفتح ابوابه مساء مثل المستوصفات الاهلية المجاورة لها، والتي تعمل من 5 – 9 مساء. وكان المنطقي ان تعمل مراكز جدة خصوصاً وهي المدينة الحارة والرطبة طيلة العام تقريباً، ان تعمل على دوامين صباحي ومسائي، مثل المستوصفات الاهلية التي تنتشر حولها، وتعمل مساء من 5 – 9 مساء، ويكون ذلك وقتاً جيداً للناس ان يراجعوا في لحظات وظروف تناسب أولاً مناخ المدينة، وتتناسب مع ظروفهم الوظيفية، مع العناية المستمرة بالمراقبة الادارية للعمل داخل هذه المراكز، وانتقاء المديرين الاكفاء الذين يكونون على قدر كبير من الضبط والحزم، والزام موظفيهم بالاداء المهني الجيد للوظيفة، بدلا من هذه المزاجية في الأداء سواء من الاطباء او الصيادلة او بقية الموظفين، والتي اجدها نمكان شكوى من عدد من المراجعين كلما زرت مركزاً من مراكز الرعاية في جدة. وأخيراً اقول.. هل قيادات وزارة الصحة راضون عما تقدمه تلك المراكز من خدمات للمرضى، وهل تلك الخدمة مما تبرأ به الذمة، ثم أليس من سبيل الى تطويرها بعد ان عاشت دهراً في خانة الخدمات المهلهلة؟.