اختلطت أحاسيسها فجأة.فبين ابتسامة بلهاء ارتسمت على شفتيها، دُفنت في عينيها السوداوين ،خلف دمعات كانت أقرب إلى قطرات طل تقبل بتلات الزهر.وبين ارتعاشة يدها، وهي تحاول الإمساك بكوب الماء لتبلل حنجرتها التي أحست اليبس فيها يجرحها.بين كل هذا وذاك كانت تقاوم في داخلها صرخة،لو اطلقتها لارتجت جدران المحل! هي الأنثى التي لم يحسسها أحد يوما بأنوثتها.كان صوته يتناهى إليها خافتا،وهو يحدثها عن نفسه،واغترابه وآماله ،وأحلامه.صور،تستعيدها من خلال شريط بال،يمر أمام عينيها. أخٌ تتطاير عيناه شررا،وزوج لا يملك من القوامة،والرجولة إلا الاسم. اختلست النظر نحوه،وأحست أنه يحتويها بكل ما يبدو منه من علامات الرجولة،والصوت الحازم رغم نبرة الحنان التي تغلفه. -متى تكملين العمل محاسن؟ جاءها صوته الدافئ الحنون ليوقظها مما كانت فيه. -عادة أكمل عملي بعد العصر.لماذا؟ -أمني نفسي بأن تقبلي دعوتي للعشاء معي هذا المساء. -العشاء..لا لا .لم أتعود الأكل خارج البيت،فقد تعودت على العشاء مع الأولاد. -لن تتأخري كثيرا.سيكون عشاء في مطعم أنيق ،وهادئ ،يتيح لنا فرصة التحدث بكل راحة. ( يا حبيبي.. الليل وسماه.. ونجومه وقمره قمره وسهره وإنت وأنا يا حبيبي أنا.. يا حياتي أنا.. كلنا كلنا في الحب سوى ) يااااااه.مطعم أنيق وهادئ.قد يكون الطعام فيه تحت أضواء الشموع الخافتة،التي تضفي على المكان الكثير من الرومانسية. كم حلِمَتْ بهذا وهي تعد نفسها لزواجها الأول ،ولكن الأيام جرت بما لا تشتهيه نفسها. لأول مرة تشجعت لتنظر له في عينيه وهي تقول. -تسعدني دعوتك الأنيقة،ولكن اعذرني.عندي التزامات أسرية،لا يحق لي تغييرها فجأة. -لك ذلك محاسن.سأبقي على الدعوة مفتوحة.وأرجو ألا يطول انتظاري. كانت عيناه تغوصان في عينيها السوداوين،وهو يغادر مقعده واقفا،مادا يده لمصافحتها. -في أمان الله محاسن. مدت يدا مرتعشة وهي ترد بصوت مخنوق: -في أمان الله…في …أمان الله. على عتبة باب المحل توقف،ثم استدار ببطء.كانت هناك متسمرة في مكانها تنظر إليه نظرة هزت كيانه.ابتسم لها وهو يلوح بيده مودعا.راودتها فكرة العدو نحوه،ومطالبته بالبقاء،لكنها اكتفت بمبادلته ابتسامة عريضة غابت عن محياها سنوات طويلة. ( والهوى.. آه منه الهوى سهران الهوى.. يسقينا الهنا.. ويقول بالهنا ياحبيبي يلا نعيش في عيون الليل ونقول للشمس تعالي .. تعالي بعد سنة مش قبل سنة دي ليلة حب حلوه بألف ليلة وليلة بكل العمر.. هو العمر إيه غير ليلة .. زي الليلة .. زي الليلة ) يتبع… ولحديث القلوب شجون لا تنتهي