من خلال شهادة إبداعية قدمها القاص السعودي حسن علي البطران عندما تحدث في ملتقى الشارقة للسرد العربي في دورته الثانية عشر والذي استمر مدة يومين في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة عن تجربته في الكتابة الإبداعية بشهادة إبداعية وقد تألق في طرحه حول تجربته وخاصة في كتابته للقصة القصيرة جدا التي عرف بها وتميز فيها وأصدر عدة مجاميع قصصية منها وقد أشار إلى أن اختياره لهذا الجنس من السرد خاصة يأتي انسجاماً مع ميوله كون هذا الجنس من السرد فيه تمرد وهو يعشق ذلك التمرد ولأنه ما زال فيه مجالا للتجريب ولأنه يحكي الكثير بقليل من الفترات وبه مساحة واسعة من الرمز والهروب عن المحظور وقد أشار في سرد شهادته الإبداعية أنه لم يكن أول من كتب القصة القصيرة جدا في المملكة ولكنه الأكثر والأغزر إنتاجا لهذا الجنس الذي وصفه بالجميل والعميق والمتين وقد جاء في جزء من شهادته أنه قال : ( ….. ربما البداية لكل مبدع ، وكل متميز في أي مجال ، أو فن ، لها قصة وحكاية ، تختلف قطعاً من مبدع لآخر ، ولذا بدايتي تبتعد كثيرا ، وتقترب قليلاً في مجملها ، عن بدايات بعض المتميزين والمبدعين .. لن أقل أن حصة التعبير في المرحلة المتوسطة ، أو مواد اللغة العربية في المرحلة الثانوية ، هي البداية ، لكنها هي البداية الحقيقية للكتابة الإبداعية .. ولن أقل أن قراءة القصص وبعض الكتيبات في مكتبة المدرسة أو قصص بنت الهدى التي تهديني إياها بنت الجيران ، هي البداية ، لكنها محطة مهمة في بداياتي .. لن أقل أن كتاب ألف ليلة وليلة أو كتاب العقد الفريد ، هي البداية ، لكنها عرفتني بكتب التراث القديمة .. لن أقل أن مراجعاتي واستذكاري وتفوقي الدراسي في التعليم العام أو مجلة ماجد وبعدها بعض المجلات ، هي البداية ، لكنها أطلعتني على عالم المجلات والصحف .. لن أقل أن جريدة اليوم السعودية وجريدة الهدف الكويتية ومجلة العربي ، هي البداية ، لكنها تشكل لي مرحلة مهمة .. لن أقل مشاركاتي في المسابقات الثقافية المحلية وخاصة الرمضانية ، هي البداية ، لكن كلها مجتمعة كانت هي البداية .. لن أقل أن حكايات جدتي ، هي من دفعتي لأن أكتب القصة ، ولكنها عتبة مهمة في حياتي الثقافية والإبداعية .. لن أتحدث عن سبب اختياري لفن السرد والقصة تحديداً ، لأنني لا أعرف السبب .. لن أقل أن كتاباتي في القصة القصيرة جداً جاءت من كتابة القصة القصيرة أو الخاطرة أو المقال أو العمل الصحفي أو كتابة النصوص غير المجنسة ، لن أقل ذلك ، ولكن ربما محاولاتي في التجريب في الكتابة الإبداعية أوصلني إلى كتابة القصة القصيرة جداً .. لن أقل أن ( من نظر للقصة القصيرة جداً ) هم من حددوا مسار تجربتي وصقلوها في القصة القصيرة جداً ، لكن ربما تنورت بما قرأته مما سطروه حول هذا الجنس الإبداعي ، وما أعطوه ونقلوه من أسس ونظريات فيه ، كل تلك الخلطة المتنوعة أغرتني لأن أتناول وأبقي في معارك هذا الجنس كتابة وإبداعاً ، لا نقداً ولا تنظيراً .. ولن أقل أن مشاركاتي في مهرجانات القصة القصيرة جداً خاصة في سوريا ( دمشق ، حلب ، الثورة ) هي الانطلاقة .. ولن أقل أن دعوة ملتقى نادي القصيم الأدبي للقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً عام 2009 م هي من كانت وراء النشر والإصدار الأول لي ، بل إنني أصدرت قبل مجموعتي القصصية الأولى " نزف من تحت الرمال " كتاباً أسميته ( همسات من خاطري ) عن دار كيوان بدمشق ، يضم بعض كتاباتي المتنوعة والمحتفظ بها من أيام الثانوية والدراسة الجامعية وما بعدهما .. لن أقل أن مشاركاتي المحلية والخارجية وفي الأماسي القصصية لم تصقل تجربتي ، بل من زادتني ثقةً وأكدت وقوفي ثابتاً على الشاطئ ومتوازاً على القارب فوق المياه المتحركة والأمواج المتلاطمة .. لن أقل إنني من الرواد في كتابة القصة القصيرة جداً في المملكة والخليج ، وإن وصفني بعضهم بذلك ، حقاً إنني لم أقل ذلك وإن اتهمني البعض .. لن أقل إنني أول من جنس القصة القصيرة جداً على أغلفة مجموعاته القصصية في المملكة والخليج ، لكنني من الأوائل الذين كتبوا ذلك على أغلفة مجموعاتهم القصصية في المملكة والخليج .. لن أقل إنني أول من أصدر ونشر في القصة القصيرة جداً في المملكة والخليج ، لكنني أول من أصدر ثلاث وأربع مجموعات فيها .. لن أقل أن مجموعاتي القصصية أو مختارات منها ترجمت إلى ( الإنجليزية الفارسية الأوردية الفرنسية الإيطالية الكردية ) ، لكنني لا أعرف أن هنالك من ترجمت مجموعاته في القصة القصيرة جداً إلى هذه اللغات .. لن أقل أن حواراتي الإذاعية والتلفزيونية وفي الصحف والمجلات الورقية وعبر الشبكة العنكبوتية أعطتني المزيد من الإبداع ، لكنها عرفت بي وعرفتني بشريحة كبيرة من البشر وسرعت في نشر وترويج إبداعاتي ، وكانت وسائل غير مباشرة لبعض الدعوات التي توجه إلي .. لن أقل أن مجموعاتي القصصية الأربع : ( نزف من تحت الرمال / بعد منتصف الليل / ماء البحر لا يخلو من ملح / ناهدات ديسمبر ) هي التي في حوزتي فقط ، بل هنالك ثلاث مجموعات مخطوطة ستصدر قريبا واحدة منها عن دار نشر مصرية ، والأخيرتان عبر أندية أدبية سعودية .. لن أقل أن مجموعاتي القصصية لم تقارب ولم تقرأ ولم تدرس نقدياً بل قرأت ونقدت ودخلت في دراسات أكاديمية ودراسات عليا .. لن أن عدد القراءات والدراسات لمجموعاتي الأربع لم يصل إلي أكثر من خمسين ما بين قراءة ودراسة ومقالة ورأي وانطباع ، حقاً لم أقل ذلك .. طبعاً ليس كل ما تحدثت به سابقاً بالضرورة مقبولا من الجميع ، لكنه صدقاً هو الحقيقة ) وقبل نهاية تحدثه قرأ نصاً إبداعياً غير مجنس أستحسنه الحضور وهو يعطي تصوراً رمزياً عن تجربته في كتابة القصة القصيرة جداً ( لا أكرر فناجين قهوتي ، وإن تكررت فهي بمذاق مختلف . صوت الفناجين يأخذني إلى أماكن بعيدة وعالية ، وصوت فناجين قهوتي يثيرني ويلهيني ويرقصني ، وإن كان خرير الماء ينعشني ، فصوت الفناجين يبقى يأسرني ويغويني . وتبقى هي أيضاً قهوتي ، وإن أسميتها ( قهوةً ) أو ( كافيه ) ، أو ُاستعيرت لها أسماء أخرىُ .. نور القمر لا يزيد فناجين قهوتي لمعاناً ولا سطوعاً .. وماء النهر وقطرات المطر لا تزيح عنها الغبار ولا تزيد فوق بريقها بريقاً ، فالقمر والنهر والمطر توائم لفناجين قهوتي .! قهوتي لا تبتعد كثيراً عن تربةٍ أنا منها ، وإن كانت قهوتي سوداء أو بلون سحنتي ، فلون فناجينها أبيض أرسم عليه ورداً وخنجراً وأشكالاً ملونة ؛ وإن كانت طينية ، فهي عجينة أصقلها كما أشاء وأجسد منها تماثيل وأضرحة وعصافير ..! لا يخلو الطريق من حجارة ، لكنها لا تدمي قدمي ، وإن تشظت ، وقد تصيبني بالجروح العميقة ، حينما تتآمر وتسمح بنمو العاقول والحنظل بين أردافها ، وبين هضبات نهديها ، وإن كانت صغيرة ..! أجلس فوق حصيرٍ من سعف النخيل وبجنبه سجاداً من الأصالة الفارسية .. لا أنظر إلى جاري وإن تسربت أنغام الموسيقى من منزله .. لذا ( أنا ) لن أتلصص عليه مادامت الموسيقى تصل إلي دون عناء ، وتأخذني بعيداً عن الضجيج .. القلم / الإبداع رصاصة سلاح ، لكنها ناعمة ، وإن كانت مدمية ومميتة ، فهي كثيراً ما تكون صوت حياة ..! أتنفس بعمق ولا أحبذ الغوص في المياه الراكدة ، ولا أرفض الغوص في أعماق المياه الغزيرة ، وإن كانت غير صافية وإن لم تصل مهارتي إلى أقصاها .. أجيد السباحة بفنٍ لمسافات طويلة ، لكنني لا أمارسها إلا في أحواضٍ مساحتها صغيرة ، لان ملابسي ليست طويلة وتعانق التراب . أرى وجودي في قربي من الأشجار ، وليست أية أشجار .. أشجار النخيل التي أروض بها غروري وأشبع بها غريزتي ، وإن كنتُ عاقاً وهارباً عنها منذ زمن بعيد ..! هنا أبقى قريباً من النخلة وظل البناية الشامخة ، أرتشف فنجان قهوةٍ أو كوباً من الكافيه .. أرتدي أثواباً معتدلة أو أقمصة بأنصاف أكمام .. أحاول أنسى تنفسي قرب أزهار اللوتس ، فإنها لا تنمو إلا في المياه الكثيرة أو قريبة منها ، وتذبل سريعاً حينما تُبعد أو تجف عنها المياه ، وأنا بحرارة جسدي لا أحب الذبول ..!! ) يذكر أن عدد المشاركين في هذا الملتقى 40 باحثاً وناقداً ومبدعاً وأكاديمياً من داخل الإمارات والوطن العربي وقد ترأست الكاتبة الإماراتيه أسماء الزرعوني هذه الجلسة الأخيرة للشهادات الإبداعية والتي شارك القاص البطران فيها كل من ناجي نوراني من السودان وهويدا صالح من مصر ومنى العلي وفاطمة المزروعي من الإمارات العربية المتحدة .