لرمضان نكهة خاصة في مدن وقرى السودان وأول ما يميزه فرحة استقباله وصلاة التراويح وموائد الافطار الجماعي وصلة الأرحام والتعاون والتكاتف والالتفات للمساكين والفقراء. وإن عادت بي الذاكرة إلى الوراء فقد كنا في قريتنا بشمال السودان نحرص كباقي الأهالي على التجمع على الشارع الرئيسي كعادة أهل السودان الذين دأبوا على هذا الفعل لاستقبال الضيوف وعابري الطريق وكان الافطار بسيطاً في محتواه ويتكون من التمر واللوبيا (البليلة) أو القراصة المصنوعة من أقراص القمح مع الملاح (الإدام) والفول ومن المشروبات عصير الليمون والحلو مر وأحيانا القمردين وهي مشروبات غير مثلجة أما السحور فيكون عادة قرب منتصف الليل. وكان الناس في زمانهم ذاك قادرين على الصوم في كافة الأجواء بلا كهرباء أو أطعمة شهية ومتعددة يكدحون في مزارعهم ويغتنمون أيام الشهر الفضيل في التقرب إلى الله وطلب المغفرة والعتق من النار والتسامح وتشجيع صغار السن على الصوم. كما كان أجدادنا يتعلقون في هذا الشهر الفضيل بإذاعة المملكة العربية السعودية يستمعون إليها في هدأة الليل كما يتابعون تفسير القرآن الكريم والبرامج الدينية من إذاعة أم درمان وكانت الحياة بسيطة في قريتنا الهادئة على ضفة النيل الغربية والمشهورة ببساتين النخيل والفواكه وزراعة القمح في مشروعها الزراعي الذي أنشئ عام 1916م. أما وقد أظلنا شهر رمضان فإننا نسأل الله تعالى أن يجمع صف أمتنا وأن ييسر لها مخرجاً مما هي فيه من فتن وقلاقل واضطرابات وحروب عصفت بالكثير من دولها وأشاعت الكراهية والبغضاء في النفوس وتفرق البعض وسلكوا سبلاً شتى وأن يردها إلى جادة الصواب وجانب الحق ليعود لها مجدها وازدهارها ولتضطلع برسالتها الخالدة للبشرية جمعاء. فالإسلام دين رحمة وتسامح ووسطية ينبذ العصبية والقبلية والغلو والتعصب والإرهاب ويدعو إلى الوحدة ومكارم الأخلاق ويقيم ميزان التقوى للمفاضلة بين الناس. وخالص التهاني نرفعها إلى مقام قيادة المملكة وشعبها الوفي سائلين المولى عز وجل أن يديم على بلاد الحرمين أمنها واستقرارها وازدهارها وأن يوحد جهودنا ويقوي صفنا ويتقبل منا صيامنا وقيامنا. وكل رمضان وأنتم بخير..وأمتنا في رفعة وسؤدد وتقدم وتكاتف وتضامن.