جميلةٌ كالورد بل أجمل ، ناعمة كالمخمل، عذبة كالمطر كالندى. بيضاء شهية. طفلةٌ من صُلبي ؛ أشم فيها رائحة أمي و أحس فيها دفء دمي و نبض وريدي. وضعتها زوجتي و ارتفعت أنا عن الأرض فرحاً فكأنّ قدماي تجد بين ذرات الهواء موطِء. هي أول من يحمل اسمي هي من منحتني الأبوة هي من جعلتني أحب الحياة أكثر و أراها بشكل آخر يا إلهي كم تغيرت أشعر بالنضج العاطفي معها! طفلتي و أميرتي و نخلتي الصغيرة أسميتها "وهج" منذ دخلت إلى البيت و أنا أشتاق للبيت … للباب … للغرف … للحائط … للمرايا … لصوتها ، ورائحتها اللذيذة. طلبت زوجتي أن أوفر لها خادمة لتساعدها في شؤون المنزل لتتفرغ هي لرعاية وهج. قبلت و فعلاً أصبح لدينا خادمة لفترة مؤقته. مع مرور الوقت ، ومع ما تبديه الخادمة من حنان و وداعة و طيبة شعرت زوجتي بالأمان و منحتها الثقة لتهتم بالطفلة بعض الوقت . طالت مدة وجود الخادمة عمّ كنّا قد اتفقنا عليه ، و زادت مساحة حريتها حتى أنها كانت تدخل غرفة نومنا الخاصة بحجة التنظيف ، وهذا ما أثار غضبي و هددت زوجتي بطرد الخادمة إذا ما تكرر دخولها لغرفة النوم. سمعت الخادمة ذلك التهديد فقررت أن تستبق الأحداث . في اليوم التالي خرجت لآداء صلاة العصر وعادةً لا أعود إلى المنزل بعد الصلاة مباشرة بل أتناول القهوة مع أبي و إخوتي في بيت أبي، ولا أعود إلا الساعة السادسة قبل المغرب. دخلت زوجتي للاستحمام بعد أن اطمئنت على وهج التي تنام في سريرها كملاكٍ طاهر. في هذه الأثناء دخلت الخادمة غرفة النوم ، ثم وضعت غطاءً ثقيلا على وجه الطفلة حتى لا تسمعها زوجتي إذا ما استيقظت و بكت ، و سرقت كل ما وجدت من ذهب و مال و ساعات و هاتف زوجتي ، وهربت. خرجت زوجتي من الحمام و توجهت إلى المطبخ كعادتها لتصنع لها كوب من القهوة السريعة ، وهكذا تفعل دائماً بعد الاستحمام . وذهبت إلى الغرفة لتطمئن على الطفلة . تفاجأت بالخزانة مفتوحة و الصناديق ملقاة على الأرض. ركضت نحو سرير وهج و وجدت الغطاء على وجهها و رفعته وحملت الطفلة و ضمتها إليها بشدة هرعت للهاتف لتتصل بي لكنه لم تجد الهاتف فقد سُرِق أيضاً. ركضت لشقة أخي المقابلة لشقتنا و اتصلت بي من هناك و أتيت مسرعاً لأرى ما حدث . وجدت زوجتي مرعوبة تبكي و تضم وهج ، حاولت أن أهدئ من روعها وأخذت وهج منها لتجلس و ترتاح. شعرت بشيء غريب و أنا أحمل وهج لون وجهها لم يكن كالمعتاد بدأت أتحسسها ، كانت باردة . وضعت يدي مكان نبضها و أنا أسأل زوجتي أين وجدتي وهج؟ قالت وهي في رعبها و ذهولها وكأنها لا تعي ما تقول : في سريرها و على وجهها الغطاء الأحمر الثقيل. و سكتت ، هنا بدأت تشخص ببصرها و تردد" وهج وهج يا الله ابنتي ، أعطيني وهج " لا ينبض وريد وهج توقف و الدم في وريدي كذلك أشعر به يكاد يتوقف وهج انطفأت في لحظة هبط شتاءٌ و خريفٌ و سقف على رأسي. نخلتي الصغيرة اقتلعتها يد خادمة. رحلت وهج و تركت الأشياء حولي مظلمة. الكاتبة / إيمان الجريد ( ثراء)