تشكل ظاهرة تزايد الحوادث المرورية هاجساً لدى الدول العربية مثلها مثل سائر دول العالم , حيث تدفع بسببها ثمناً غالياً من حياة أبنائها وثرواتها نتيجة ما تخلفه هذه الحوادث من فواجع بشرية وخسائر مادية كبيرة . ويأتي احتفاء الدول العربية في هذه الأيام بأسبوع المرور العربي , كجزء من مساعيها الدائمة لمعالجة هذه الظاهرة , حيث تعكف مختلف الدول على عقد المؤتمرات والاجتماعات والورش للبحث في مسببات ازدياد الحوادث المرورية بغية إيجاد الحلول الناجعة لها , كما تعمل على تكثيف التوعية لمواطنيها بمخاطر الحوادث وما تخلفه من أضرار على الفرد والمجتمع. ويمثل مجلس وزراء الداخلية العرب الحاضنة الفعالة لتنسيق جهود الدول العربية وتبادل الخبرات فيما بينها في مجال الوقاية من حوادث المرور ومعالجة الآثار التي تنجم عنها , حيث يولي المجلس الذي يتخذ من تونس مقراً له هذه القضية اهتماماً بالغاً يتضح من خلال البرامج والخطط المختلفة التي اعتمدها طيلة السنوات الماضية. ومن أبرز هذه الخطط والبرامج اعتماد المجلس الهيكل التنظيمي لأجهزة المرور في الدول العربية في العام 1993م , واعتماد القانون النموذجي العربي الموحد للمرور في العام 1997م , إلى جانب اعتماد الإستراتيجية العربية للسلامة المرورية في العام 2002م. وتهدف هذه الخطوات إلى حماية المجتمعات العربية من الآثار الناجمة عن حوادث المرور وتوعيه أفراد هذه المجتمعات بكل الجوانب المتعلقة بالمرور لضمان احترام وتطبيق القواعد المرورية , بالإضافة إلى تنمية إحساس المواطن العربي بمسؤوليته المشتركة تجاه تحقيق السلامة المرورية , وكذا تحسين مستوى كفاءة العاملين في مجال المرور. وقد تضمن القانون النموذجي العربي الموحد للمرور ترتيبات تتعلق بقواعد تنظيم المرور على الطرق العامة ورخص السير وسوق المركبات , إلى جانب التنصيص على عقوبات زجرية للمخلين بقواعد المرور.ووعياً من مجلس وزراء الداخلية العرب بضرورة مواكبة القواعد المرورية في الدول العربية بالتطورات العالمية فقد قام المجلس في عام 2014م بإعادة صياغة القانون وتطويره في ضوء المستجدات العامة المتعلقة بالمرور ومرئيات الدول الأعضاء في الاتحاد.وفي إطار السعي لمعالجة تزايد الحوادث المرورية اعتمد المجلس عام 1995م الاستمارة النموذجية العربية الموحدة لإحصاء حوادث المرور التي تستفيد منها الجهات المعنية في كل دولة عربية لإحصاء حوادث المرور وتزويد الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية وغيرها ببيانات دقيقة وشاملة عن الحوادث بما يساعدها في رسم السياسات المتصلة بحوادث المرور وبصيغة موحدة على مستوى جميع الدول العربية.كما تخول هذه الاستمارة رصد الصورة العامة لحوادث المرور في كل بلد عربي وفق أسس إحصائية عربية موحدة وتبسيط قياس كفاءة الجهود الوطنية لتخفيض حوادث المرور على أساس المقارنة مع جهود عربية أخرى.وبالتوازي مع كل هذه الجهود أولى المجلس أهمية كبيرة للجانب الإعلامي التوعوي حيث اعتمد عام 1997م الخطة الإعلامية العربية النموذجية للتوعية المرورية التي تهدف إلى تعديل سلوكيات سائقي المركبات وتوجيه المشاة إلى ضرورة التعاون مع رجال المرور والالتزام بآداب الطريق , بالإضافة إلى توعية رجال المرور بأهمية حسن معاملة المواطنين وتوثيق صلتهم بهم مما يدفعهم في النهاية إلى احترام توجيهاتهم , علاوة على السعي إلى تشجيع انتشار جمعيات خاصة تتولى مع الهيئات الرسمية مهمة التوعية المرورية. ولدعم نجاعة العمل العربي المشترك في مجال مواجهة حوادث المرور أنشأ مجلس وزراء الداخلية العرب مكتباً عربياً للحماية المدنية والإنقاذ يقوم بإعداد نشرة إحصائية سنوية عن حوادث المرور في الدول العربية تساعد في الاطلاع بصورة دقيقة على طبيعة هذه الحوادث وآثارها مما يسهل سبل إيجاد الحلول المناسبة للمشكلة المرورية , بالإضافة إلى نشرة دورية حول المستجدات العربية والدولية في مجال السلامة المرورية يقوم بتعميمها على الدول الأعضاء للاستفادة منها.