كان يوما فارقا ذلك الذي استقبلت فيه سلمى عامها الجامعي الأول ، لتجد نفسها تخطو أولى خطواتها داخل الحرم الجامعي،مدشنة مسارها الدراسي في كلية الإعلام، حلم حياتها وأملها المنشود. كقروي ساذج بهرته أضواء المدينة، انزوت بعيدة عن الأنظار ، تراقب عرض الأزياء، وأحدث صيحات الموضة، وأكثرها جرأة على أجساد الطالبات. الشعر مصبوغ، ومصفف بعناية.الألوان الصارخة تغطي الوجوه ،وترسم الشفاه ،و…تعيد تشكيل العيون! انتابها شعور من وجد نفسه في المكان الخطأ، ،وأنها في كرنفال كبير،أو علي أقل تقدير في منتزه للترفيه،لا محراب علم تبنى فيه العقول ، ويرسم فيه المستقبل. كادت تجهش بالبكاء ، وهي تشعر بالوحدة، والغربة . وبين الإحباط والأمل، وفي لحظة كانت تتقاسما شتى الأحاسيس ،سمعت صوتا مألوفا يناديها باسمها ! التفتت مسرعة لمصدر الصوت، لتنفرج أساريرها ، وترتمي في حضن ( منى )… زميلة المرحلة الثانوية،والتي قذف بها القدر في اللحظة المناسبة لتكون لها طوق النجاة.كانت مفاجأة غير متوقعة ،لاعتقادها أنها الوحيدة التي التحقت بكلية الإعلام من مدرستها . حيث لم تخبرها أي من زميلاتها من قبل عن رغبتها في ذلك ،رغم علمهن جميعا بحلمها. بل إن المفاجأة صارت أكبر حين أخبرتها مني أن زميلتين أخريين قد سبقتاها إلي قاعة المحاضرات.أين ستبدأ المحاضرة الأولي للدكتور صبري فؤاد. زاغت عيناها وهي تسرع الخطي تجاه حلم طالما جاهدت،واجتهدت لتحقيقه. ( ياما قلوب هايمة حواليك…. تتمنى تسعد يوم برضاك وانا اللي قلبي ملك ايديك… تنعم وتحرم زي هواك الليل عليا طال… بين السهر والنوح واسمع لوم العزّال…. اضحك وانا المجروح وعمري ما اشكي من حبك…. مهما غرامك لوعني لكن أغير م اللي يحبك…. ويصون هواك أكتر مني ) (الأستاذ الكبير) هذا ما درج أن يسبق اسم صبري الكاتب الصحفي ،الذي تفتحت عينا سلمي علي مقالاته في الجريدة التي كانت تتلهف كل يوم علي خطفها من والدها بمجرد دخوله المنزل. بكلماته التي يختارها بعناية وهو يخاطب قراءه , ساهم صبري في تشكيل وجدانها ،وعقلها.كانت تستنشق حروفه لتزفرها تنهيدة . لقد وجدت في تنوع الموضوعات التي يتناولها كل الأجوبة علي الأسئلة التي طالما راودتها في سنها المبكرة . لقد دأبت كل صباح علي اخفاء الجريدة في حقيبتها المدرسية ، لتختلس النظر بين كل درس وآخر إلي صورته التي تتصدر المقال،غير عابئة بضحكات، وهمزات، ولمزات الزميلات ، حاولت مرارا تحديد سنه من خلال الصورة، ولم تفلح. فعندما يكتب في السياسة تخاله في الستين،وعندما يكتب عن الحب تشعر أنه في العشرين. فيا لها من شخصية جذابة ،ومؤثرة. ( أهواك في قربك وف بعدك…. واشتاق لوصلك وارضى جفاك وان غبت احافظ على عهدك…. وأفضل على ودي وياك يورد على خاطري…. كل اللي بينا اتقال ويعيش معاك فكري…. مهما غيابك طال ) ولحديث القلوب شجون لا تنتهي