أصدرت جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام، إصدارين متعلقين بالأديب الشاعر محمد العلي ودشنتهما في افتتاح الدورة الأولى لمهرجان بيت الشعر، التي تحمل اسم العلي مساء السبت الماضي. كتاب «تلك الزرقة التي علمتنا الأناشيد» أحد الإصدارين، وهو عبارة عن شهادات عن العلي، قدمها مجموعة من أصدقائه، وطلابه، وأبنائه، ومحبيه. وكتب «بيت الشعر» التابع لفرع الجمعية، افتتاحية الكتاب، الذي تضمن أيضاً مقالاً للراحل عابد خازندار، منشور في صحيفة «الرياض» في 23 ديسمبر 2014م، بعد أن وعد فرع الجمعية بكتابة مفصلة، وتقديم شهادة عن العلي، غير أن فسحة العمر لم تسمح له بذلك. كما اشتمل الكتاب على قصيدة لعبدالمحسن اليوسف في العلي بعنوان «في صوتِهِ ريحٌ نحاسيّةٌ» استهلها بقوله: «شاهقٌ كنخلةٍ من نخيل «الأحساء «.. عنيدٌ كموجةٍ من بحر (دارين)». مقدمة الكتاب الاول: هذا الكتاب ليس مجرد شهادات قدّمها أصدقاء وطلاب وأبناء ومحبو العلي، إنه تاريخ ممتد يمّر حميماً من هنا، وما يزال يمرّ حتى تنبت القصيدة عشباً على ضفاف الماء. الماء الذي خبروه، وجرّبوه، وعوّلوا عليه في حضوره وفي غيابه، في مدّه وفي جزره، في ضوئه وفي كواليسه. آمنوا به رغم صرخته العالية الظل «لا ماء في الماء .» بيت الشعر في جمعية الثقافة والفنون بالدمام إذ يقدّم هذه الشهادات للقارئ الكريم فهو إنما يسجّل للحاضر وللتاريخ حضور العلي في مشهدنا العربي والسعودي، ويذكّر المتابعين لتاريخ تأسيس وتأصيل ورعاية العلي للحداثة حتى اللحظة، بدءاً بالمرحلة التي وقفت هذه القامة الثقافية راعيةً وحاميةً للحداثة بكل ما حملت في الستينات من رغبة في الحرية، وفي زحزحة الساكن، وفي إيقاظ الغفلة، وفي طرح وترسيخ السؤال حيال كل ما هو جاهز ومنجز. ثم كيف فتح صدره عارياً -في فترة لاحقة- أمام سهام الخائفين من التغيير، حاميا الفئة القليلة والغضة من نصال امتدّت بقسوة السواد مريدةً اختطاف مكتسبات؛ دافع العلي ورفاقه من أجل تحريرها من الظلام. ومَنْ غير هؤلاء الثلة الرائعة التي احتواها هذا الكتاب قادر على رصد تلك المرحلة والاقتراب بنا لتفاصيلها اليومية الصعبة، في أفراحها وفي أتراحها، في قلقها وفي طمأنينتها؟! فهم، دون سواهم، من أتقن قراءة أبجديات العلي، وفطنوا مبكراً لطقوس قصيدته، ولرمزية ما يطالعه بعيداً حيث الحلم متاح للجميع. عبر مهرجان بيت الشعر، في دورته الأولى التي حملت اسم «محمد العلي » يطيب لنا أن نفتح لكم نافذة مشرعةً لفضاءات رائد فاعل لم يتردد ولم ييأس من المستقبل ونطل على تجربته الثقافية أباً، ومعلماً، وشاعراً، ومفكراً. مؤكدين على أن نوافذ الشعر لا يمكن إغلاقها حتى وإن لم يكن ثمة جدار. مقدمة الكتاب الثاني : لا أحدَ في البيت. هذا ما غَنِمتُهُ. خالَفْتُ، في تحريري لهذا الكتاب، وانتخابي لما فيه، ما هو معمولٌ به في صَنعة التحرير، تحرير الأعمال الشعريّة على وجه الخصوص. لا أبتغي عَرْضَ أشهر قصائد الشّاعر، أو إبراز ما يستهويني منها، أو حتى بناء مسرحٍ لتجربته الشعريّة. تَظهرُ نصوص الشّاعر هنا بوصفها حلماً؛ تتقطّعُ و تتّصل، سِنَةً و نَوماً، حُلمًا غَزَلتُهُ لنفسي، فِعْلَ قراءتي.. فالقراءة في جذرها محاولةٌ للرؤية، امتثالٌ لما يتبدّى وما يتخفّى، وأسلمتُ نفسي لذاك؛ إنها سرقةٌ مُحترفة، وتلصُّصٌ مُباحٌ على أوكار المجاز وأفاعيه، وعلى غُرَف الوقت ونوافذ أفكاره، وعلى الآلهة من أعلى وأسفل، وعلى اللغة العارية. على الشّعر. مزّقتُ أكثر النصوص كالأقمشة، أبعدتُ خيوطاً عن أسمالها لتأخذ بُعدًا فضائيًّا، احتمالاتٍ أكثر. كَسَرتُ أسطُرًا ويتّمتُ أبياتًا، وأبكَيتُ الخليلَ، ليس لأني عاندتهُ، أنا لا أكرهه، أبدَا، بل تجاهلته، ولم أُعِرهُ خاطري ووجداني.. قَسَوتُ عليه. كأنّي أُعتِمُ بحرًا كاملاً وأطيرُ بكشّافٍ واحدٍ أُسَلّطه على مَوجَةٍ واحدة. مَن يتغيّى فهمَ ذهنيّة بناء الشّاعر لقصائده، وتفكيك تجربته الشعريّة، بُغية حقنها في الدم والهواء، أو للبحث والتوثيق، فعليه قراءة الديوان الكامل (لا ماء في الماء). هُنا فُرصَةٌ لحُلمي كي يراه أحدٌ غيري، لغنائمي. وبَقيَ أن أقوَل بأنني قد اخترتُ هُنا أيضًا مقاطعَ من ثماني عشرة نَصًّا لم تُدْرَج في الديوان آنف الذّكر.هكذا أَبَحتُ لنفسي ما لا يُعقَلُ ولا يجوز، ما قَد يُغضِبُ مُحبّي الشّاعر، أو المسلوبين بذاك الغول في ليل الشّعر، أَعني العروض. لكنها –و أنا أضحك الآن- رُقْعَةُ لَعِب، محكومةٌ بشروط الفتنة و الافتتان. أُراهنك على هذا.