قدم الناقد الأستاذ ناصر بن محمد العُمري قراءة نقدية للمجموعة القصصية (حفلة الجن) للزميل بخيت طالع الزهراني .. وقال في بداية قراءته : إن ما تمنحه الجوائز المختلفة للفائزين بها خصوصاً في المجالات الأدبية والفنية يتجاوز التقدير المادي والمعنوي الى لفت النظر الى العمل الفائز نفسه والتعريف به حين تكون -في الغالب -محفزاً على قراءته والاطلاع عليه ودرسه وتفكيكه وهذا في نظري أهم بكثير مما تمنحه من عطاءات أخرى كونه ينعكس على المنجز لا على صاحبه. واضاف : فوز مجموعة حفلة الجن للقاص والإعلامي بخيت طالع التي حصدت المركز الأول ( في فرع الإبداعات الأدبية - مجال القصة القصيرة ) جعلني أعجل بقراءتها بعد ان كنت منكباً على قراءة ( عبدالعزيز المشري ) يرحمه الله . وقال العمري : المجموعة التي تسمّت بإحدى قصص المجموعة البالغ عددها (14 قصة ) طغت عليها أجواء القرية , فمعظم القصص تتخذ من عوالم القرية فضاء لها ... عدا قصتي (الحرب ) التي تحدثت عن حالة الانسان حين انفجار الحروب على حين فجأة .. و( المكيدة ) التي تتخذ من أروقة مقر إحدى الصحف و( فكرة مجنونة ) التي تجري أحداثها في إحدى المدن . أما البقية فتكون كل الأحداث في القرية أو محيطها او تتنقل بين القرية وموقع آخر فتحتضن القرية بداية الأحداث ثم تنتقل إلى مكان آخر كما في ( شهقة حب ) التي بدأت في القرية , وانتهت أحداثها بوفاة احد شخوص القصة في احد الشوارع تحت عجلات إحدى السيارات , بعد أن عوقب على تأخره في التقدم لخطبة معشوقته , التي احبها وأحبته بتزويجها لشخص آخر , الامر الذي أربك حياة هذا العاشق المستهام وأغرقه في الذهول , وأسقطه في براثن الألم الدائم والشرود الذهني , الذي كان سبب وفاته. واضاف العمري: نجحت المجموعة في أن تكون مجموعة قصصية توثيقية - ان صح هذا التعبير - حيث أرّخت لمرحلة مهمة من عمر الزمن ورصدت كل أشكال الحياة في قرى السراة وحملت للقارئ الكثير من المشاهد عبر شخوص القصص وأحداثها المتعاقبة والفضاءات التي ولدت فيها تلك الأحداث كما رصدت المجموعة من خلال تلك الشخوص والأحداث المراحل المختلفة لحياة القرية سواءً تلك التي سبقت الطفرة ببساطتها ورتابتها وحفاظها على رتمها وايقاعها ونشاطات أهلها المألوفة. وإذا كان فن القصة هو الفن الذي يقترب من هموم المؤلف , كونه يضمنه آماله ودهشته وتشوفاته , وما يراه ليعبر عنه من خلال هذا الفن فأننا نجد أن ( حفلة الجن ) تعمل كوعاء يحوي كل ما يدور في خلد مؤلفها , وفي إحدى قصص المجموعة شاهد حي على ذلك كما هو الحال في قصة ( كلب للبيع ) , والتي ترصد التحول الذي طرأ على حياة القرية بسقوط ( الفلاح السعودي ) من السلم الاجتماعي وحلول الفلاح الوافد مكانه , بما يتبعه هذا الواقع من تغيرات وما يثيره هذا الواقع من أسئلة على غرار سؤال المؤلف نفسه - كون الراوي نفسه هو بطل القصة - عندما تساءل متألما ( ترى لولا هؤلاء الوافدين هل ستندثر الزراعة ) وفي ذات القصة التي كانت تقترب من عوالم الخبر الصحفي , يوثق القاص عبر وصفه لرحلته السياحية لمشاريع تنموية شهدتها قريته والقرى المجاورة , وكانت عاملاً مباشراً في التحول الحياتي الشامل للقرى : مثل ( سد بيده ) والطريق المؤدي الى وادي بيده والمنتزهات البلدية ونحوها من المشاريع . ولعل هذا في ظني هو أحد أهم اسباب فوزها بالجائزة , أعني احتفاءها بمرحلة من عمر الزمن , حين اتخذت من الباحة وقراها فضاء مكانياً لها , ومن حياة إنسانها مداراً للأحداث. وتأتي المجموعة طافحة بالهم الإنساني مترعة بعذابات الانسان راصدة لليومي والمعاش بأسلوب سردي سهل ولغة بسيطة كما حفلت المجموعة بغزارة الإشارات الدالة عبر إثارة الأسئلة أو وصف مشاهد بعينها كما هو الحال في قصة (الطفلة العجوز) و( ماتت سلمى ) حيث تشير إلى اضطرار الانسان البسيط للذهاب بعيداً صوب المدن الكبيرة , للبحث عن العلاج لعدم توفر الخدمة الطبية في محيطهم , وتتطرق الأحداث الى معاناتهم جراء مغادرة القرية , وترحل بنا في اعماق نفوسهم لتصف الحالات النفسية السيئة التي يمرون بها , مما يفقد العلاج المعطى لهم جدواه. الملفت للنظر أن المؤلف لامس بنا في عوالم ( المرأة والمعاقين عبر معاناة المرأة الخرساء التي لم تتزوج , ولحظات مرضها التي حدت بها إلى السفر الى المدينة بحثاً عن العلاج , لكن العلاج لا يجدي نفعاً بسبب حالتها النفسية جراء انتقالها من قريتها. لتذكرنا بتلك الفتاة البدوية التي تزوجها معاوية , ونقلها من باديتها إلى حياة القصور, لكنها حنت لديارها وانشدت : ( ولبس عباءة وتقر عيني احب إلي من لبس الشفوف ) الخ تلك الأبيات الشهيرة كما جسد معاناة المسنين عند غياب خادمتهم بالموت المفاجئ مصوراً تلك الحميمية التي جمعتهم بالخادمة , دون أن يغوص بعيداً في تصوير تلك العوالم التي لامسها , لذا جاءت القصص أشبه ب ( سكانر ) أو ماسح ضوئي سريع لها . ولان المؤلف اعلامي وابن شرعي لبلاط الصحافة , فقد جرت احداث قصة (المكيدة ) في اروقة احدى الصحف , واتخذت منها فضاء لها , ورصدت طرفاً من ذلك العالم وملابساته , وما يجري فيه .. حيث يتعرض يوسف لمكيدة لا يعلم من هو الذي نسج خيوطها , تؤدي الى طرده من الصحيفة دون أن يعي , أًو حتى يعرف سببها . وختم االعمري بالقول : إن (حفلة الجن) في ظني منتج ثقافي تضافرت في خلقه وتكوينه عوامل عدة .. أولها طفولة المؤلف التي قضاها في أحضان القرية , وذاكرة جيدة وعت الحدث , ثم وثقت , وانتقال المؤلف من القرية بهدوئها إلى المدينة بضجيجها , واشتعال الحنين للقرية , وبعد أن عاد اليها وجدها غادرت وجهها القديم . ويأتي العمل الصحفي ليكمل هذه المنظومة , لتشكل حلقة في تلكم المعطيات , حيث لم تنعتق المجموعة من تأثير الصحافة على المؤلف , من حيث سمات الرصد والتوثيق والصياغة , وانتقاء العبارة وسلاسة الانتقال بين الأفكار ومعالجتها , وبين إثارة الأسئلة.