في أحيان كثيرة يكون الإنسان نفسه عقبة حقيقية أمام أي عملية تطور أو تقدم، وهذا يتمثل برفضه لكثير من أوجه التحديث أو الرفض لمبتكرات جديدة، بل رفضه حتى لطرق تربوية حديثة أو مفاهيم اجتماعية جديدة، هذا واقع مع الأسف نشهده يومياً وإن بطرق مختلفة، وكتب التاريخ ذاخرة بنماذج وقصص متنوعة عن مثل هذا الرفض وعدم التصديق بجدوى الابتكار والتجديد والركون لما تم الاعتياد والتعود عليه. وهنا يكون الحد أو الفصل الفاصل بين مجتمعات تقليدية تدير شؤون حياتها بآليات قديمة وبين مجتمع حديث يحافظ على ثوابته وقيمه ولكنه يستخدم التقنيات ويسعى لتنمية مزدهرة دون التفريط بأي من قيم الآباء والأجداد. المجتمعات التقليدية ترفض على سبيل المثال الآلة وتركن للإنتاج التقليدي والاعتماد كلياً على اليد العاملة، وبالتالي يكون إنتاجها متذبذباً ولا يتماشى مع نمو المجتمع والكثافة البشرية، فيحدث خلل بين العرض والطلب أو المتوفر والحاجة. لكن الموضوع له معضلة أكبر وأكثر جسامة، وهي تتعلق بظروف إنسانية مجحفة أو قاسية وفيها تمييز، على سبيل المثال العنصرية ضد جنس أو لون، هي ماثلة في بعض المجتمعات الإنسانية وإن بأشكال مختلفة، وإن كنا لا نشعر بها في مجتمعنا أو لا وجود لها فهذا لا يعني انعدامها من العالم. في هذا السياق أتذكر قصة رواها الأديب أمين معلوف، قال فيها: «في زمن التمييز العنصري في أمريكا كان سائق حافلة يُجلس الركاب وفقاً للون بشرتهم، بحيث يجلس البيض في المقدمة والسود في المؤخرة. وفي أحد الأيام أخذه مشرفه جانباً، وأوضح له أن هذه الأمور قد تغيرت، وأن على السائق أن يتغير وفقاً لها. وعندما رأى المشرف أن السائق لم يكن يستوعب ما يشير إليه قال له: فلتنس وجود أشخاص سود وآخرين بيض ومن الآن فصاعداً تصرف وكأن الجميع زرق. بعدها، وفي نوبة عمله التالية، أعلن السائق على سمع الركاب: يبدو أنه لم يعد هناك أناس بيض أو سود البشرة بعد الآن. لذلك فليجلس الزرق الفاتحون في المقدمة، وليرجع الزرق الغامقون إلى المؤخرة. والاستنتاج من هذه القصة، أنه رغم الإيضاح لسائق الحافلة انتهاء حقبة الفصل العنصري، وأنه يجب أن ينظر للجميع نظرة واحدة وكأنهم زرق لا أبيض أو أسود، فإن عقله وقف عاجزاً عن استيعاب التغيير، واخترع وسيلة لمواصلة التمييز وأيضاً وفق لون البشرة، ولكن بطريقة أخرى، ألم أقل بأن عقولنا في أحيان هي العقبة؟