أقامت رابطة الأدباء الكويتيين محاضرة «الإنسان والخليج في شعر غازي القصيبي»، وألقاها الأديب السعودي حمد بن عبدالله القاضي، وذلك ضمن موسمها الثقافي، وأدارت المحاضرة الإعلامية حبيبة العبد الله. وتأتي هذه المحاضرة تقديرا للشاعر الراحل غازي القصيبي، الذي كان ينتصر للحق في كل مواقفه وإبداعاته، كما كان له دور مشرف في الدفاع عن الكويت حينما تعرضت للعدوان الصدامي الظالم. وتطرق القاضي في محاضرته إلى شتى الجوانب التي تميز بها القصيبي خصوصا في ما يتعلق بحبه للخليج وإنسانيته التي شهد لها الجميع. واستذكر المحاضر مظاهر الرحمة والرأفة في قلب القصيبي وفي اشعاره، وإحساسه بالناس المحيطين به، مما أكسبه حب الجميع، كما تحدث القاضي عن اغتراب القصيبي خلال سنوات الدراسة حتى عاد إلى الوطن بعد حصوله على شهادة الدكتوراه، وتأثره بوفاة أمه... ومن ثم جاءت قصيدته «أماه»، والتي يمتزج فيها الفرح بالعودة إلى الوطن مع الحزن على فراق أمه ليقول: اليوم عدت فما وجدتك ما خففت إلى ندائك والبيت مثل الامس لولا الفجر يسأل عن سمائك لولا الأسى طيرا يعشش في الستائر والارائك وتحدث القاضي عن إنسانية القصيبي... الذي كان- رغم عظمته- ينهزم امام دمعة طفلة، بالإضافة إلى تعامله الراقي مع الناس وهو في أعلى المناصب. وقال المحاضر في إشارته إلى الخليج في شعر القصيبي: «أزعم أن الخليج سكن قلب وحرف ومقلة غازي القصيبي». وأن قصيدة «أغنية للخليج»، في ديوانه «معركة بلا راية»، تكشف ذلك الخطاب الوطني في شعره، بالإضافة إلى قصيدته «يا صحراء» التي كتبها بعد عودته من الدراسة في أميركا، والتي يقول فيها: وطفت الكون لم ...أعثر على أجدب من... أرضك على أطهر من... حبك أو أعنف من... بغضك ... عدت إليك يا... صحراء على وجهي رذاذ البحر وفي روحي سراب... بكاء وأشار القاضي إلى جانب اللطف والظرف في حياة القصيبي وتعامله مع الناس، وهو أحد مؤشرات تواضعه. إلى جانب حبه للبحرين التي عاش فيها طفولته، وصباه ومراحل دراسته الاولى، وفيها تفتح قلبه على أول حب، وسكب أول دمعة هجر ونثر أول ابتسامة. وقال المحاضر: « قال القصيبي قصائد كثيرة عن البحرين، جزيرة ومكانا وإنسانا وذكريات، ولعل من أجمل قصائده ( العودة إلى الأماكن القديمة)، وجاءت بعد غيابه عن البحرين حوالي 15 سنة، والتي يصور فيها لوحة مبهرة عن دارته التي سكن فيها، والمدرسة التي درس فيها، والأتراب الذين قضى صباه معهم. وفيما يتعلق بالكويت وعلاقة القصيبي بها قال المحاضر: «كانت للكويت مساحة من الحب في قلب القصيبي، لا تضاهى، أحبها وهي حرة، وعشقها وهي سليبة تحت الغزو الغاشم، أطلق عاصفة نثره، وأسرج حروف شعره... فكان صوتها الذي زرع الأمل في قلوب أبنائها، وأنبت اليأس في أفئدة المعتدين عليها، ولعلكم تتذكرون قصيدة (أقسم يا كويت)، التي تفيض أملا. وذكر المحاضر قصيدة «ولهانة» والتي ألقاها بعد عودته من الكويت بليلتين، مكرما من أهلها. وتحدث القاضي عن جانب آخر من جوانب حياة القصيبي المشرقة وهو جانب الحوافز... حيث كان حريصا على إعطاء الحوافز لمن يعملون معه، سواء كانت هذه الحواز مادية أم معنوية، مما كان يبث الحراك في الجهة التي يرأسها، ولقد تجلت إنسانيته ورحمته عندما تولى وزارة الصحة، حتى أنه حينما شاهد إهمالا بحق المرضى بكى، وهو الرجل القوي، ولكن قوته لم تتعارض مع دفئه. وفي وزارة المياه كان يعرف التحدي الذي سيواجهه عند تولي وزارة مياه في بلاد لا أنهار تجري فيها ولا أمطار، ومطلوب منه توفير المياه للملايين من المواطنين والمقيمين»، متذكرا قولة القصيبي الشهيرة: «إننا بوصفنا بلد شحيح المياه أمطارا وأنهارا، فإنه يجب أن تكون لدينا حالة طوارئ دائمة، لإبقاء شيء من المياه للأجيال المقبلة». وأضاف المحاضر: « أما الكهرباء وقد كانت أول حقيبة وزارية يتولاها، فقد خاض فيها معارك إدارية، وواجه أعضاء إدارات الشركات، وسعى بتوجيه ودعم القيادة إلى إيصال نور الكهرباء إلى كل جبل وسهل وقرية وواد». وقرأ القاضي بعضا من قصائد القصيبي، خصوصا تلك التي كان يرى أنها من أغلى قصائده، وعنوانها «يا أعز الناس»، والتي يقول فيها يا أعز النساء! همي ثقيل هل بعينيكِ مرتعٌ ومقيل؟ هل بعينيك حين أوي لعينيك مروج ٌخضرٌ وظلٌ ظليل؟ هل بعينيك بعد زمجرة القفر غدير وخيمة ونخيل؟ وختم القاضي بقوله: «رحم الله الدكتور غازي القصيبي، كفاء ما قدم لخليجه وأمته وكفاء ما اثرى ثقافتنا العربية وما سكب في ذائقتنا الوجدانية».