انعقد المؤتمر الإقليمى الأول المعنى بالإتجار وتهريب البشر فى منطقة القرن الأفريقى، فى الفترة ما بين13-16 أكتوبر الجارى بالخرطوم. ويتسم تناول قضية الإتجار بالبشر في وسائل الإعلام المحلية-ربما حتى الدولية- بقدر من التبسيط، وفي أحايين كثيرة، قدر من التوظيف السياسي المحض. اليوم، تعتبر ظاهرة الهجرات الاقتصادية ، من أكثر الظواهر الاجتماعية المصاحبة لوتيرة (عولمة) العالم، حيث تشهد الكرة الأرضية اليوم حركة تمدين وتحضر بوتيرة لم تشهدها البشرية في أي مرحلة من تاريخها، ويترافق مع تلك الوتيرة معدلات عالية من تدمير سبل العيش التقليدية للمجتمعات المحلية، بسبب التوسع الصناعي والتمدن (أي نمو المدن والحضر)، ويُضاف إلى ذينك العاملين، عوامل أخرى، كالحروب والنزاعات والمجاعات والكوارث الطبيعية، وما تم يترب عليها من تكلفة إنسانية باهظة، حيث تدفع مثل تلك الظروف القاسية الملايين إلى مغادرة بلدانهم، بحثاً عن فرص عيش أفضل، وأُطلق على هذا النوع الأخير من الهجرات بالهجرة الإقتصادية و(المهاجرون الاقتصاديون)، وتعانى كافة دول العالم من الهجرة بشكل من الإشكال، وبالأخص ما يرافقها من مثالب كتهريب الأشخاص والإتجار بهم. ويحيط بالسودان، حزام من البلدان التي تجتمع فيها كل الأسباب الموّلدة لدوافع الهجرة، فالي الشرق تتاخم حدود البلاد، دول القرن الأفريقي (إثيوبيا، الصومال، إريتريا ... الخ)، وتشهد تلك الدول بين الفينة والأخرى موجة من الجفاف، إلى جانب نزاعات مسلحة وحروب، تندلع بين بلدان المنطقة بعضها البعض، أو داخل (حروب أهلية)، وهو ما ينجم عنه إضطرابات واسعة. وبمقارنة أوضاع تلك البلدان، والتي تعد الأكثر فقراً في العالم، مع أوضاع السودان، والذي يُعتبر وجهة لملايين اللاجئين من دول الجوار، حيث يتدفقون على السودان حتى من دون أسباب قاهرة!، حيث تشير بعض التقارير إلى أن السودان، ظل منذ ثمانيات القرن الماضي- بحسب تقديرات منظمات دولية مختصة- يستضيف نحو نصف مليون لاجئ من دول القرن الإفريقي، أغلبهم من إثيوبيا وإريتريا والصومال..الخ، خاصة أولئك الفارين من الحرب الإريترية- الإثيوبية، والمجاعة التي شهدتها إثيوبيا في تلك الحقبة، وأستقر بعضهم في ولايات شرق السودان، فيما عادت أعداد قليلة منهم إلى بلادهم، وغادر آخرون إلى بلد ثالث، ويعتبر التداخل القبلي للمجتمعات على جانبي الحدود، عاملاً مساعداً على تدفق هؤلاء الأشخاص، مع أختلاف الدوافع والأسباب. ولأسباب تاريخية وإجتماعية، لم تفلح الحدود التي رسمها الاستعمار، وأقام على أساسها الدول الوطنية القائمة حالياً في العالم، وخاصة في منطقة القرن الأفريقي، و كذلك لم تفلح في منع التواصل وتداخل الحدوديين، لاسيما بين القبائل المشتركة، حيث توجد قبائل موزعة على جانبي السودان وإريتريا والسودان وإثيوبيا ومصر.. وهكذا دواليك، ولم تشهد الحدود الدولية أو تشكل تهديداً على الدول إلا فى السنوات الأخيرة. فإذاً ظاهرة عبور الحدود التي تزايدت في السنوات الأخيرة مدفوعة بأسباب إقتصادية محضة، نجمَ عنها ظاهرة تهريب الأشخاص، حيث يفضل مواطنو دول الجوار، السودان عن غيره من دول المنطقة لعدة أسباب، من بينها: أن التداخل القبلي وهناك عامل "الأمن النسبي" الذي تتمتع به المناطق الحدودية، على عكس المناطق الحدودية بين الأخرى، حيث يتفشى النهب والسلب والقتل، وأيضاً طبيعة الشعب السوداني المتسامح مع الآخر، ولا يشعر اللاجئون من دول الجوار بالغربة في السودان، وأخيراً، هناك الامكانات التي تساعد هؤلاء اللاجئين على مغادرة السودان إلى "الوِجهات" التي يريدونها، مع إمكانية حصول البعض منهم على فرص للعمل أفضل هناك. كما تُشير بعض الدراسات والمسوحات التي أجريت وسط اللاجئين، أنهم يختارون السودان للعوامل المذكورة أعلاه، بناءاً على نصائح الأقارب الذين هاجروا -غالباً- إنطلاقاً من السودان، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه توجد جاليات (ديباسورا) تُقدّر بالآلاف من مواطني دول القرن الأفريقى، خاصة في الدول الغربية الولاياتالمتحدة، أستراليا، كندا، ألمانيا، والدول الاسكندنافية..ألخ ، وهو الذى يُغري مواطني تلك البلدان بالهجرة بأي طريقة كانت.