هو عمودالشعرالفقري، وهو روح القصيدة، والطاقة التي تجعلها تخترق القلوب والألباب، وهوالنكهة الشعورية للذائقة عند المتلقي، ولكل شيء زينة، فالحياة الدنيا زينتها المال والبنون، وزينة المسلم حسن الخلق، وزينة المرأة عقلها، وزينة القصيدة الإلهام. وعلى ذلك فإن القصيدة التي تُبعث من رحمٍ مُلهم وتنشأ في كنف الشاعرية الممتزجة بالإلهام تضع بصمةً واضحة في روح المتلقي، ويصل مداها الى أبعد مما تصل إليه القصيدة المنزوعة منه، فالشاعر الذي كتب بدافع الإلهام كان يعيش ما يشبه (السكرة) الإلهامية، مما جعله يصقل الكلمات كأنما ينحت في صخر، وكأنما السامع لها يعيش ماعاشه الشاعر حين ولادة القصيدة، حتى لو أن الموقف الذي كُتبت من أجله لم يكن للكاتب نفسه، لإن الطاقة الايجابية الجاذبة المنسابة بين الحروف جعلت من البيان فيها سحراً جعل المتذوق تلقائياً يتصوّرالموقف دونما تركيز في بلاغة وبناءالكلمات. أما في الشعر منزوع الإلهام، فالقصيدة بلاروح، وبلاطاقة جاذبة، وبلا تأثير يجعل المتلقي يذهب بعقله الى ما وراءالكلمات، ويظلّ تركيزه على الطريقة التي بُنيت بهاالقصيدة من جماليات اللغة او(اللهجة)، وهنا وقفة يجب التنويه عنها، ألا وهي أن الشاعرالملهم يستحق لقب الشاعر، والشاعر اللاملهم ماهوإلا (ناظم) أجاد لعبة الوزن والقافية وامتهنها، فجاز أن يُقال كل شاعر ناظم وليس كل ناظمٍ شاعر، ويتجلّى ذلك مثل شمسٍ في الدجى عند قراءة قصيدة يكون مصدر الإلهام فيها إمرأة، او موقف سياسي، اوفقدعزيز او فرحةٍ بحدث أو أياً مما يحيط بالشاعر من ملهمات. فمن الظلم الآن ان يُسمّى كل من أجاد الوزن والقافية بشاعر، فهو ظلمٌ للشاعرالحقيقي وظلمٌ للأدب والشعر، لذا وجب التفريق بينهما وإيضاح البضاعة المزجاة بالإلهام والبضاعة الخالية منه، التي لاتُجاوز في قراءتها الألسن وتحية طيبة لأصحاب البضاعة الأولى أصحاب الإجادة فيما يُنتجون من أدبٍ رفيع . قال ابو العلاء المعرّي: غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِ وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعيّ إذا قِيسَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ أَبَكَتْ تِلْكُمُ الحَمَامَةُ أمْ غَنَّت عَلى فَرْعِ غُصْنِهاالمَيّادِ