سألتني ابنتي وقالت عن أي موضوع ستكتب يا أبي هذا الأسبوع ؟ قلت عن الشخصيات المهمة التي لم تتمكن من تسديد ما عليها من فواتير لشركة الكهرباء . فسكتت لبرهة ثم سألت : ومن هم تلك الشخصيات المهمة ؟ لا أخفيكم .. لقد انعقد لساني ولم أستطع حقيقة أن أجب بشكل جيد عن سؤالها ، ليس لأني أعرف الجواب وأحاول التمويه عليها ، فهي لم تزل طفلة وأي إجابة مني ستتقبلها طالما كانت من أبيها الذي تثق به ، والمعنى أن الأطفال يصدقون أي شيء مهما كان ، غير أني بالفعل لا أعرف كنه أولئك البشر ، فاكتفيت بقولي أنهم في الغالب يا بنيتي أصحاب النفوذ الذين يعملون في قضاء حاجات الناس البسطاء ، فقاطعتني على الفور وقالت : وهل هم فقراء إلي هذا الحد ؟ هنا لم أجد بداً من صرفها عن الموضوع برمته ، وطلبت منها أن تتركني بمفردي لأكتب هذه الأسطر. لكن السؤال لا زال قائماً : هل بعض الشخصيات المهمة بالفعل فقراء ولم يستطيعوا تسديد فواتير استهلاك ملكياتهم الخاصة للطاقة الكهربائية أسوة بالسواد الأعظم من المواطنين الذين ما أن يتخلف أحدهم عن السداد إلا ويبيت ليلته تلك تحت أضواء الشموع حتى وإن كانت مجرد بضع عشرات معدودة من الريالات .. أم أن سؤال (هل هم فقراء ؟) سؤال ساذج لا يصح طرحه كون المسألة أعقد من أن تفهمه طفلة للتو انتقلت للصف الثاني الابتدائي ؟ حتى وإن اعتبرنا هذا السؤال ساذجا فماذا عن سؤال (لماذا الجهات المعنية تسدد عنهم ؟) الذي كنت موقناً بأن ابنتي ستطرحه فيما لو سمحت لها بمواصلة النقاش معي ، صدقوني لن تفهم لو قلت لها أن الشخصية المهمة خلقت هكذا ؟ تحتاج أكثر وبالتالي هي تستهلك أكثر !! وطالما أنها من أكثر إلى أكثر فلن تستطيع أن تكون مثل الشريحة الأكثر والذين يسمونهم البسطاء ، لذا علي أن أجد لابنتي جواباً مقنعاً ، سأقول لها اسمعي .. كل ما هنالك أن هذه الشريحة لا تجد الوقت الكافي لتلتفت لنفسها والتزاماتها ، لذلك هم لا يسددون ، أو بالأحرى .. لا يجدون وقتاً للتسديد فتتراكم عليهم الديون ، أو ربما أنهم يجهلون فعلاً الفرق بين الملكية العامة والخاصة ، أو ربما (أعلم أني أسرفت في كلمة ربما .. أعذروني فالسؤال صعب ) أن البسطاء أمثالنا هم من تسبب لهم بهذه المديونيات !! سأخبرها بمشاكلنا التي لا تنتهي .. تارة نطالب بمساكن .. وتارة تأمينات صحية .. وتارة وظائف .. وتارة حلول جذرية للزحام في الطرقات .. حتى سرير المستشفى لا نكف عن إزعاج الشخصيات المهمة بها ، لذلك هم مجبرون على سهر الليالي الطوال في قصورهم الخاصة على مدار الساعة من أجل إيجاد الحلول لمشاكلنا وأزماتنا ، وبالطبع لن يتمكنوا من السهر إلا إذا كانت كل أنوار القصور مضاءة ، وكل أجهزتها مدارة ، ما يعني ..أن تلك الفواتير الباهظة هي في الحقيقة فواتير حاجات المواطنين ومشاكلهم التي لا تنتهي وليس كما يظن البعض أنها جراء استهلاك بعض الشخصيات المهمة، فهل يعقل أن تتم مطالبتهم بتسديد ما لم يستهلكوه ؟ بالطبع لا . المواطنون هم من يتوجب عليهم سدادها..لذلك يجب أن نعترف أننا مدينون للجهات المعنية التي سددت عنا وأنقذتنا من هذا الحرج الكبير. بقي أن أقول إن ابنتي لم تسألني مطلقاً .. لقد اختلقت الموقف لنتساعد معاً في الإجابة عن هذا السؤال ،من يدري ؟ فقد يحتاجه أحدكم مع أحد أطفاله يوما ما ، فالأطفال كما أسلفت قد يصدقون أي شيء ، ولكني نسيت أن أقول أيضاً أن الأطفال لن يبقوا أبد الدهر أطفالاً..سيكبرون حتماً ، شكراً مرة أخرى للجهات المعنية.