سألني بتهكم. هل ارتحت بعد رحيل بيريرا. قلت: أصدقك القول أنني حزين جدا على ذلك، فنظر متعجبا وقال: أنت كنت من ضمن جوقة المطالبين برحيله.! فكيف تحزن بعد ذلك وأين نقدك القاسي لخططه حينا عبر الصحافة وأحياناً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنك لن تستطيع إقناعي بحزنك على رحيله. قلت: لعلك يا عزيزي لا تعلم سرّ حزني كأحد عشاق الأهلي بعد خبر إعلان رحيله. فحزني أعمق من حالة الرحيل، فعشرات المدربين يأتون ويرحلون ويبقى الأهلي كيانا وقامة وتاريخ وبطولات وجماهير، ويكون الحب والعشق حيثما كان الأهلي. فحزني على عام انقضى كانت جماهير الملكي تنتظر فيه بطولات وكؤوس لم تُمني نفسها بها من قبل، بعد أن توفرت للفريق كل عناصر النجاح وعوامل التفوق المطلوب توفرها للحصول على البطولات ، ولكنها لم تستثمر فذهبت أدراج الرياح. أربع بطولات خرج منها الأهلي خالي الوفاض مع أنه المؤهل فنيا وماليا وإداريا وعناصريا لنيلها أو على الأقل بعضها. فخرجت الجماهير بخيبة أمل غير مسبوقة. حزنت لأن بيريرا لعب أكثر من خمس وثلاثين مباراة ولم يظهر على الفريق بصمة تدريبية تجعل من بقاء بيريرا أمراً إيجابياً. ولم يثبت على تشكيلة مناسبة أو يظهر الفريق في انسجام مناسب تتحقق معه النتائج الإيجابية. حزنت لأن المدرب تعامل مع الفريق وهو يحمل في فكره معلومة مغلوطة فظنَّ أنه الوحيد الذي حضر للأهلي بهذه السمعة التدريبية ولم يخبره أحد- إذا كان جاهلاً - أن الأهلي جلب أفضل مدربي العالم. وقد يكون اغترّ بتلك الأصوات من خارج أسوار النادي عبر حواراتها وتحليلاتها ومداخلاتها كانت تنعق بأن بيريرا مكسب للكرة السعودية وليس للأهلي وحده. فأعطوه أكثر مما يستحق عطفا على النتائج على أرض الواقع. ولم ينعقوا بذلك حبا في بيريرا ولكن لحاجة في نفوسهم ورغبة في استمرار النزيف النقطي وضياع البطولات والجهد والوقت. وإلا فهل تناسى أولئك أن الأهلي جلب ديدي وسنتانا ولازاروني ولويس فيليب سكولاري، وهؤلاء دربوا أعظم منتحب في العالم وهي البرازيل، وحققوا بطولات. وحققوا للأهلي نتائج باهرة سواء بالحصول على البطولات أو تسطير أروع فنون الكرة على البساط الأخضر حتى أصبحت متعة اللعب وجماله وروعته وأبداعه مقرونة باسم الأهلي وعلامة مسجلة باسمه. لقد حزنت لأن بيريرا لم يجلب بطولة، ولم يصنع فريقاً يقارع وينافس على البطولات. أو يقدم ما يشفع لسمعته ويتناسب وقيمة عقده، بل جعل من فرقة الرعب فرقة تستكين للهزيمة بروح انهزامية، فلم يبثّ في الفريق روح القتالية ويرسخ ثقافة الفوز، بل جعله مزرعة تجارب لخطط لم تنجح في الواقع فلا تحقق بطولة ولا تبني فريقا منظماً في جميع خطوطه. فكانت الخطوط الخلفية مسرحا لغارات فجائية تسجل منها أهداف الغفلة في نشوة الاستحواذ، فيخرج للجماهير ليصرح أنه استحوذ على اللعب، بينما الفريق المقابل حاز على النقاط الثلاث، حزنت لهذا المفهوم في عالم لا يعرف إلا الفوز ولا غير الفوز فهو مهر البطولات والغذاء الروحي للجماهير. مصدر حزني أن الهدر المالي الضخم وضياع الجهد ونزيف الوقت لا زالت تترنح بين جنبات هذا النادي وتتدحرج في دهاليزه، دون أن يكتشف أحدٌ السرّ وراء ذلك. ودون أن يتم إيقاف هذا النزيف من عقلاء الأهلي. بل من المؤلم حقا أن يتم هذا الرحيل بعد أن طارت الطيور بأرزاقها وحازت الأندية على بطولاتها. تمنيت رحيل بيريرا في وقت يستطيع عقلاء الأهلي أن يتداركوا ما يمكن تداركه من الموسم.؟! حزنت لأنني سمعت بعض الأهلاويين يتأسف على رحيل بيريرا رغم ما فعله بالأهلي، ومن سمع ذلك المتأسف يظن أن بيريرا حقق بطولات الموسم بكاملها؟!. والسؤال: هل مجاملة مدرب حين وداعه والسعي لتبرئته من خروج الأهلي من الموسم خالي الوفاض وبمستويات هزيلة وهزائم مذلة كانت أولى من المحافظة على شعور جمهور ارتضى أن يصفه الشارع الرياضي بالمجانين؟! أم كان من الأولى الاعتذار لجماهير الأهلي فيما حدث، وأن يعدهم بقادم أفضل والعمل بجدية وقوة لتحقيق آمال جماهير النادي، والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة. إذا كان بيريرا لا يستحق الرحيل وغير مسؤول عن نتائج الفريق وخروجه بدون بطولة، فمن المسؤول عن ضياع المال والجهد والوقت والبطولات، ومن المسؤول عمّا حدث للفريق وتفريغه من مكامن القوة في اللعب سواء بالاستغناء أو بتغيير المراكز؟! سؤال لعقلاء الأهلي وحدهم. كان حزني أكبر حين ذابت كل تلك القامات والخبرات في البيت الأهلاوي وغابت القدرات واختفت الأصوات وغُلت الإيادي واستبعدت الكفاءات وخلت الساحة كلها لبيريرا فاستلم الخيط والمخيط وكافة الصلاحيات فشوه صورة الفريق ثم رحل. العقل والمنطق يحتم على عقلاء الأهلي أن تكون حالة بيريرا تجربة وورقة عمل يتم من خلالها تقييم الأوضاع وتجنب السلبيات والإعداد لموسم جديد بفكر جديد يشارك فيه كل الأهلاويين، لكنني أخشى أن يستمر النزيف ويستمر الهدر وتستمر المجاملة، وأن تتكرر نفس التجربة. وسؤالي وفي فمي ماء . ماذا يا أهلي أنت فاعل بعد رحيل بيريرا.