حينما يتم التعاقد مع مدرب تسبقه شهرة كبيرة وسمعة واسعة وقدرة تدريبية تكون محل اهتمام كثير من الفرق ومطمعاً لها للتعاقد معه، ويكون الفريق في حجم النادي الأهلي مكانة وقامة وكياناً وتاريخاً وبطولات وقائمة لاعبين تتلألأ بالنجوم المحليين ومرصعة بلاعبين أجانب على مستوى كبير من الفن والمهارة والإخلاص. وعلى البساط الأخضر مستويات راقية وإبداع ينثره اللاعبون على المستطيل الأخضر، علاوة على استقرار إداري في النادي يضم كوكبة من الرجال أصحاب الولاء والحب للنادي والخبرة الكبيرة في مجال الإدارة، إضافة لوجود جمهور كبير يبذل الغالي والنفيس لدعم الفريق,فإن ذلك المشهد يقطع بما لا يختلف عليه أثنان ولا يتناطح فيه قرنان أن كل المؤشرات والدلائل تشير إلى اتجاه واحد وطريق واحد هو طريق البطولات واعتلاء المنصات والاستحواذ على الكؤوس والألقاب. فالمعطيات والعوامل متوفرة لإنجازات جديدة، ليس ذلك فحسب، بل أن المشهد ينمّ عن موسم فني رائع وراقي ليس لجمهور النادي ومحبيه، بل لجميع الجماهير على كافة ميولها.هذا هو الحال الذي كان يشيء به حدث التعاقد مع المدرب البرتغالي ( بيريرا) والوضعية الفنية التي كان عليها الفريق قبل مجيء المدرب، وكانت الأماني والآمال لجماهير الأهلي تطاول عنان السماء، بل تستعجل الأيام لترى الثمار اليانعة لهذا التكامل، لتروي عطش السنين وترى بطولة الدوري تعود للقلعة بعد جفوة الأيام وقسوة الحكام وغياب دام قرابة ثلاثين عاماً. نعم أن جميع المعايير والأسس والشروط والمقاييس المتعارف عليها في المجال الرياضي والمطلوب توفرها لنيل البطولات قد توفرت بين جنبات النادي الراقي، وكانت جماهير الملكي ومحبوه ينتظرون أياماً مملوءة بالاحتفالات والبطولات. لكن ماذا حصل بعد هذا التكامل، وهذه المعطيات والاستقرار وهذه المجموعة من النجوم ؟! هل تحقق للأهلي ما يريد؟ هل قام المدرب بإضافة فنية على الفريق؟! هل رسّخ فيهم ثقافة الفوز؟! هل قام برتق الفجوات والأسباب التي تحول دون الوصول للبطولات، هل أعطى كل لاعب مهمة في الملعب تتناسب مع قدراته وإمكاناته.؟ هل استطاع التقرب من اللاعبين والتعامل معهم كأب وأخ وقائد إداري وطبيب نفسي.؟! هل استطاع أن يضيف مفاهيم جديدة تنمي قدراتهم وتطور إمكاناتهم ليتم توظيفها لصالح الفريق؟ هل قام بمعالجة أخطاء بعض اللاعبين لعدم قيامهم بالانضباطية داخل الملعب؟ هل قام - باعتباره مدرباً عالمياً- بوضع خطط تتناسب وقدرات اللاعب السعودي وإمكاناته وظروفه البيئية والاجتماعية؟. أم أنه كان عكس ذلك كله! واكتفى بسمعته وشهرته التدريبية قبل مجيئه إلى الملكي,وأصرّ إصراراً غريباً على خطة انتقدها كل خبراء الرياضة، ونالت من إمكانات الفريق وباعدت بين اللاعبين ومجهوداتهم وقدراتهم وإمكاناتهم وقتلت مواطن الإبداع عند كل لاعب، حينما وجد نفسه لاعباً في مركز لا يجد فيه نفسه، ولا يتقن الأداء فيه، فأحرج اللاعبين وسبب لهم توتراً وشتت كثيراً من جهودهم وإمكاناتهم. حتى أصبحت الكروت الملونة مصاحبة للاعبي الأهلي في كل مباراة. نعم أنه سعى لتطبيق خطته دون مراعاة لإمكانات اللاعبين فأراد الاستحواذ على الكرة وتناسى الخطوط الخلفية فضاعت النتائج. لم يستغل إمكانات بعض اللاعبين ويحفزهم ويتعامل معهم لمصلحة الفريق، بل سعى لفرض شخصيته على اللاعبين على حساب مصلحة الفريق، فخسر الأهلي لاعبين في مستوى برونو وفيكتور ويونس محمود ولاعبين محليين أبدعوا في الفرق التي ذهبوا إليها ثم جلب البديل محلياً وخارجياً بمستويات باهتة وقدرات فنية ضعيفة وعطاءات هزيلة، فضاعت شخصية الأهلي الفنية المعروفة، بسبب خطته التي يتجرعها اللاعبون بدون ارتياح ولا قبول. قبل مجيء بيريرا لم يحدث أي اختلاف في صفوف الجمهور الأهلاوي مثل ما حدث من صدع بين الجماهير حول تأييد بقاء بيريرا والمطالبة برحيله. وإذا ابتعدنا عن ما يثار حول رغبته في الرحيل وفسخ العقد من قبل النادي لوجود عروض مقدمة له من أندية أخرى، وأعرضنا عن ذلك صفحاً، وسألنا لسان الحال لماذا لم ينجح بيريرا مع الأهلي رغم توفر كل معطيات وعوامل النجاح؟!. فالجواب يأتي سريعاً أن المدرب لم يتعامل مع واقع اللاعبين والبيئة والمجتمع والإمكانات لهم، بل أنه تعامل معهم من خلال عالم افتراضي يريد ترسيخه بالإكراه وليس من خلال جرعات تدريبية وأساليب فنية متدرجة ترتقي باللاعب والفريق دون أن تحدث خللاً واضحاً في كيان الفريق وطريقة اللعب. فهو يريد من اللاعبين الارتقاء إلى فكره التدريبي رغم عدم ملاءمته مع طريقة اللعب التي تعود عليها اللاعبون مدة طويلة من الزمن، ولم يكن لديه الاستعداد للنزول إلى مستوى اللاعبين وغرس فكره التدريبي بأسلوب متدرج وهادئ ثم الارتقاء بهم إلى ذلك العالم الافتراضي الذي يسعى إليه. وزاد الطين بله أن النادي أعطى الخيط والمخيط لبريرا فجاءت النتيجة النهائية اهتزاز مستوى الفريق وهبوط حاد في عطاء اللاعبين وضياع الآسيوية وكأس ولي العهد والدوري، رغم تلك الآمال والتطلعات الكبيرة حين التعاقد معه.نعم إنها حالة خاصة وخاصة جداً.