عبدالعزيز بن جمال الدين الساعاتي مدير جامعة الملك فيصل في ظل ما تشهده مجتمعاتنا العربية من اعتداءات وانتهاكات لحرمة الإسلام ومقدّرات الأمة من قِبل جماعات إرهابية ومَن يساندها مِن هؤلاء الذين يصنّفون أنفسهم بالجماعات الإسلامية المحافظة، والذين هم أشدّ خطرًا من الإرهاب نفسه، باتَ لِزامًا علينا محاصرة وتقويض المتعاطفين مع المغالين من جماعات التشدد والتكفير، فإنّ ذلك ليس فرض كفاية فحسب، بل هو واجب شرعي ووطني لكل من يعيش على تراب هذا الوطن الغالي الذي يقوم على الثوابت، ومنهج الوسطية المعتدلة القائمة على التعاليم الصحيحة للإسلام، والتي كفلت حرمة الدم للبشرية جمعاء، فالإسلام دين الرحمة، ودين الله الخالد ورسالته للناس كافة، يقول الله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين" الأنبياء 107.الإرهاب ظاهرة عالمية لا يُنسَب لدين، ولا يختص بقوم دون آخر، وهو نتيجة التطرف الذي لا يكاد يخلو منه مجتمع من المجتمعات المعاصرة، ويشتمل على جميع أنواع الإيذاء والتخويف والقتل بغير حق، ويهدّد حياة المجتمعات وحريتهم وأمنهم وأحوالهم للخطر، فلقد أصبح الإرهاب جريمةَ العصر وعنوانه الأكبر، بل أصبح أمًّا للجرائم ومنبعًا للآثام؛ لِما يُخلِّفُهُ من قتلٍ للأبرياء والمطمئنين دونما تمييز بين طفلٍ أو رجلٍ أو امرأةٍ أو شابٍ أو عجوزٍ، وسواء أكان مسلمًا أم غير مسلم. لقد حان وقت الحسم لحماية الدولة وأبنائها من الجماعات التي تنتهج الإرهاب شريعة من خلال الحزم مع جميع الأفراد والجهات التي تتعاطف مع هذه الجماعات، وكذلك ملاحقة الدول والجماعات والأفراد التي تموّل وتروّج لهذه الأفكار والأعمال الذميمة، كون ذلك حقًا سياديًا للمملكة، وتكفلُهُ الأعرافُ والمواثيقُ الدولية. إنّ بيان وزارة الداخلية حول الجماعات التي تمّ تصنيفها بالإرهابية، لم يأتِ من فراغ، بل أتى بعد أن طفح الكيل، وبعد أن سلكت المملكة جميع السُبل في التصحيح والمناصحة، فلقد تمّ تجاوز كل الخطوط الحُمْر التي تهدّد أمن واستقرار الدولة، لا سيما بعد أن شوّهت هذه الجماعات الإرهابية ومن يدعمها صورة الإسلام، وسمحت لأعدائه المتربصين بتأكيد ما كانوا يسعون إليه منذ قرون طويلة بالدعوة للفكر الإلحادي والتشكيك في ثوابت الدين الإسلامي، من خلال ما يسعون إليه عبر كل الطرق والوسائل التي توصلهم لمبتغاهم، وللأسف فقد كانت هذه التجاوزات على أيدي مَن يدّعون الإسلام، ويرفعون رايته، في حين أنّ الإسلام براءٌ منهم لأبد الآبدين.ولعلّ المواطنة الحقَّة تفرضُ علينا أنْ نكشف عن كلِّ مَن يقومُ بالتأييد أو التعاطف مع المنظمات أو الجماعات أو التيارات الإرهابية بأي شكل من الأشكال، وتحت أيِّ ظرف؛ كونَ نعمة الإسلام التي نعيشها، وكذلك الأمن والأمان في هذه البلاد الغالية باتَ مهدداً، ما لم ندرك خطورة الوضع، وما يجبُ علينا فعلُهُ كمواطنين ومقيمين، فالإسلام يحذّر من الإفساد والعبث في الأرض، يقول الله تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفًا وطمعًا إنّ رحمة الله قريبٌ من المحسنين". الأعراف 56 ولا بدّ من تعزيز الأمن الفكري في المجتمعات الإسلامية بإذكاء روح التسامح وترسيخ قيم التفاهم ونشر أدب الخلاف وثقافة الحوار بدءًا من الأسرة والتنشئة الأولى للفرد بتربية الأبناء على ثقافة الحوار وقَبول الآخر وتوجيههم وتحذيرهم من رفقة السوء وحثهم على مصاحبة الأخيار، والتحلي بالأخلاق الإسلامية السمحة، مرورًا بمدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية التي تقوم بدور مفصليّ عبر مناهِجها التي تعزّز التربية الإسلامية وتجسّد الانتماء الوطني لدى الناشئة من طور الطفولة المبكرة ونشر ثقافة الوسطية والاعتدال وثقافة الحوار وأدب الاختلاف، وتصحيح مفاهيم الطلبة في قضايا التكفير والجهاد والولاء، والردّ على الأفكار المنحرفة التي تثيرها تلك الفئات الضالة، والتركيز على الكتب والنشرات التوعوية وإقامة الدورات والندوات وعقد المؤتمرات، والحث على كتابة البحوث العلمية المناهضة للإرهاب، وانتهاءً بحكوماتنا وقياداتنا التي لا بدّ لها أن تقف بحزم وحسم في وجه كل من يحاول أن يعكّر على مجتمعاتنا الإسلامية صفوها، وهذا لا يتأتّى إلا بتضافر كل الجهود ومساعدة كل الأطراف للوصول إلى برّ السلام والأمان للجميع.