أسمحو لي أن آخذكم معي في هذه الاطلالة السريعة على طلة من صحافة الزمن الجميل قبل أربعين عاماً من الزمان كانت (البلاد) عبارة عن معمل تفريخ للأفكار وللصحفيين الشباب، تطرح أفكاراً رائدة يحاول أن يقلدها الآخرون وتستقبل الأعداد الكبيرة من الشباب السعودي من الدارسين أو هواة الصحافة لتدربهم وتضخهم بعد ذلك إلى الصحف السعودية الأخرى وهي مستريحة البال. وقصة (ضيوف بلدنا) التي جاءتنا في عهد عمنا عبدالمجيد شبكشي واستاذنا هاشم عبده هاشم تقوم على أن المملكة تستقبل سنوياً الآلاف من الضيوف من جميع الجنسيات الذين يعملون في مشاريع التنمية التي تشهدها المملكة ابان السنوات الأولى (للطفرة الاقتصادية) وكان السؤال المطروح لماذا لا نلتقي بهؤلاء الضيوف ونحاورهم ونتحدث معهم كيف يعيشون في بلادنا وماذا يقولون عنها وما هي المشكلات التي يواجهونها؟.. وأيضا نلقي الضوء على بلدانهم وجغرافيتها وتاريخها والناس التي تعيش فيها وأزيائهم وملابسهم وعاداتهم في الأفراح وفي شهر رمضان والأعياد.. وغيرها بحيث نكوَّن صورة واضحة عن هؤلاء الضيوف الذين يعيشون بيننا في تلك الفترة. واسندت إليَّ هذه الصفحات (صفحتين) أسبوعياً تحت عنوان عريض (ضيوف بلدنا) وكان عليَّ أن اقوم ببرنامج كبير اقابل فيه الاخوة الوافدين من الباكستانيين والمصريين واليمنيين والكوريين واليابانيين والاتراك، والامريكيين والفرنسيين والبنجلاديشيين والماليزيين والهنود والصوماليين وغيرهم من الجنسيات التي تعيش بيننا في مدينة جدة. وبدأت المشوار.. أبحث عن الصوماليين في الاحياء التي يسكنون فيها واقابل شيخ الجالية الصومالية في احدى القهاوي الشهيرة في شارع حائل وكانوا يتجمعون هناك في حي الرويس لأكتب هذه الصفحات ونصورها وأذكر لكم بعض ما حدث من جراء هذه الصفحات. السفير الياباني في جدة:كانت كل السفارات في جدة في ذلك الوقت تعجب كثيرا بالصفحات التي نشرت عن (اليابانيين) ودعا السفير الياباني كل أسرة البلاد لحفل غداء عامر في منزله يتقدمنا استاذنا الراحل الاستاذ عبدالمجيد شبكشي واستاذنا المحترم عبدالغني قستي وكل اسرة تحرير البلاد وكانت المفاجأة أنه كان علينا أن نأكل الأرز (بالقصابتين اليابانيتين) الشهيرة في الأكل وحرص السفير على أن تكون المأدبة كلها (أسماك في أسماك) ومع ضرورة استخدام الملاعق الخشبية الصغيرة في الأكل نجح البعض منا في استخدامها وخرج البعض الآخر من الغداء (بلا غذاء) لأنه لم يفلح في استخدام (العصا اليابانية). أما (ضيوف بلدنا) من الاخوة اليمنيين فقد اعلنا عن صفحتيهما قبل النشر وزودنا توزيع الجريدة في ذلك اليوم خمسة آلاف نسخة ولكننا فوجئنا بأن جميع نسخ جريدة البلاد التي نشرت موضوع (ضيوف بلدنا) عن اليمنيين قد نفذت وجاء بعضهم إلى مقر الجريدة يطلبون نسخاً إضافية لشدة تعلق اليمنيين ببلدهم.. أما الحلقة الثالثة كانت عن الأتراك وقد بذلت فيها جهداً لكي تظهر بصورة مرضية فقد فوجئت بفرح السفير التركي بهذه الصفحات بشكل كبير وارساله لها لمسؤولي السياحة في بلاده، كما أن مجموعة من المطاعم التركية وبالذات في حي الشرفية قامت بعمل برواز للصفحات وتعليقها في المطاعم التركية لانهم محبون لبلادهم ولكل من يتحدث عنهم في الصحافة السعودية وكانت المفاجأة بالنسبة لي انني تلقيت دعوة كريمة من الحكومة التركية لمدة عشرة أيام لزيارة تركيا وبالفعل تمكنت من السفر وتلبية الدعوة وهناك في تركيا لقيت اكثر من استقبال رائع منذ لحظة وصولي لمطار اسطنبول حتى مغادرتي لتركيا حيث كانت تنتظري مندوبة وزارة السياحة في المطار لتأخذني إلى جميع المناطق السياحية في اسطنبول وبورصة وفق برنامج محدد ابهرني وكتبت عنه بعد عودتي الى جدة. آخر المشوار: جاءني وهو متفائل ومعه عكازه قبل ثلاثة أسابيع ليسلم علينا ويرانا ويتحدث معنا فرداً فرداً فها هي البلاد التي عشقها وأحبها منذ أربعين عاماً واسترجعنا أيام الزمن الجميل في صحافتنا بعدها بأسبوع جاءني خبر الجلطة الدماغية التي ألمت به فهو مريض يقوم بالغسيل الكلوي منذ سنوات وبالأمس ودعنا الزميل والصحفي والصديق الذي ملأ الدنيا بابتسامته وكتاباته المرحوم أحمد المهندس.. تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم آله وذويه الصبر الجميل .(إنا لله وإنا إليه راجعون).