1 ( هذه حكاية .. من وحي الحياةِ الغربية ) .. إبان الحرب الأمريكية في فيتنام ، رنَّ جرسُ الهاتف في منزل أحد أحياء كاليفورنيا الهادئة .. كان المنزلُ لزوجين عجوزين لهما ابن واحد مجند في الجيش الأمريكي ، كان القلق يغمرهما على ابنهما الوحيد ، يصليان لأجله باستمرار ، وما إن رنّ جرسُ الهاتف حتى تسابق الزوجان لتلقي المكالمة في شوق وقلق . 2 الأب : ألو ... من المتحدث ؟ الطرف الثاني : أبي ، أنا كلارك ، كيف حالك يا والدي العزيز؟ الأب : كيف حالك يا بني ، متى ستعود ؟ الأم : هل أنت بخير؟ كلارك : نعم أنا بخير، كيف حالكما , لقد عدت منذ يومين فقط . الأب: حقاً ، ومتى ستعود للبيت ؟ .. أنا وأمك مشتاقان إليك كثيراً. كلارك : لا أستطيع الآن يا أبي ، فإن معي صديقاً فقد ذراعيه وقدمه اليمنى في الحرب وبالكاد يتحرك ويتكلم ، هل أستطيع أن أحضره معي يا أبي ؟ الأب : ماذا ..... تحضره معك !؟ كلارك : نعم ، أنا لا أستطيع أن أتركه ، وهو يخشى أن يرجع لأهله بهذه الصورة ، ولا يقدر على مواجهتهم ، إنه يتساءل : هل يا ترى سيقبلونه ..على هذا الحال .. أم سيكون عبئاً , وعالة عليهم ؟ 3 الأب : يا بني ، مالك وماله , اتركه لحاله ، دع الأمر للمستشفى ليتولاه ، ولكن أن تحضره معك فهذا مستحيل ، من سيخدمه ? أنت تقول إنه فقد ذراعيه وقدمه اليمنى ، سيكون عالة علينا ، من سيستطيع أن يعيش معه ? .. هل ما زلت تسمعني يا بني ? .. لماذا لا ترد ؟ كلارك : أنا أسمعك يا أبي .. هل هذا هو قرارك .. الأخير؟ الأب : نعم يا بني ، اتصل بأحدٍ من عائلته ليأتي ويتسلمه ودع الأمر لهم ؟ . كلارك : ولكن هل تظن يا أبي أن عائلته سيقبلونه عندهم ؟ الأب : لا .. أظن يا ولدي .. لا أحد يقدر أن يتحمل مثل هذا العبء ! كلارك : وداعاً .. يا أبي . 4 وبعد يومين من المحادثة ، انتشلت القواتُ البحرية جثة المجند كلارك من مياه خليج كاليفورنيا , بعد أن استطاع الهرب من مستشفى القوات الأمريكية , وانتحر من فوق إحدى الجسور !. دُعي الأب لاستلام جثة ولده ... وكم كانت دهشته عندما وجد جثة الابن بلا ذراعين ولا قدم يمنى ! فأخبره الطبيب أنه فقد ذراعيه وقدمه في الحرب ! .. عندها فقط فهم الأب ! .. إذن .. لم يكن هناك صديق ل ( كلارك ) . كان هناك فقط ( كلارك) نفسه .. الذي أراد أن يعرف موقف أبويه ..... من إعاقته , قبل أن يسافر إليهما , ويريهما نفسه !. 5 إن الأب في هذه القصةِ يشبهُ الكثيرين منا . ربما من السهل علينا أن نحبَ مجموعة من حولنا دون غيرهم لأنهم ظرفاء , أو لأن شكلهم جميل . ولكننا لا نستطيع أن نحب أبداً " غير الكاملين " .. سواء أكان عدم الكمال في الشكل , أو في الطبع , أو في التصرفات . ليتنا نقبلُ كل واحد على نقصه . متذكرين دائماً إننا نحن أيضاً لنا نقصنا ، وإنه لا أحد كاملاً , مهما بدا عكس ذلك .