كشف المستور في غياهب أودية الصهاليل, ليس الفقر هو الذي يحتاج التخلص منه أولئك السكان من المعاناة، بل امتد لكل ما حولهم من الخدمات. في تلك المواقع غاب الاتصال، وغاب الإسعاف الجوي، وسياراته، وغابت حقن الأطفال، وأمصال الثعابين، وقطع الشاش لتضميد الجراح، أما الولادة فهي متعسرة إلا مَن رحم الله، لكن يبقى هجوم السيل ومباغتته خطراً يحدق بهم من كل جانب فيقطع السبل. الحالات الطارئة تُنقل على الأكتاف صور رصدتها الزميلة "سبق" لما كنا نسمع به ونتداوله عن نقل مرضاهم عندما تتقطع بهم الطرق، نتيجة سيل جارف لمشهد كان حقيقياً لا آثار السيول، ومعاناة الأهالي في التنقل، لكن لحظة الصورة كانت مؤلمةً عندما تمّ رصدهم وهم يحملون فتاة أتاها عارضٌ صحي ليوصلوها على أكتافهم لأقرب مكان فيه سيارة تقلها إلي اقرب مركز صحي. انت تلك الأداة عبارة عن لوحين من خشب السدر، لفت حولهما قطعة قماش يحملها السكان على أكتافهم بعد أن يضعوا المريض في تلك القطعة. استنجد أقارب الفتاة بجيرانهم وحملوا الفتاة، واصل رجال الصهاليل مسيرتهم ومن كل جانب يترقبون حال تلك المريضة، ليس هناك إسعاف طائر ولا سيارة إسعاف يتهور قائدها للوصول إلى المواقع إنما هي سواعد رجال منهم المُسن والشاب. كانت تلك الصورة هي حقيقية التي غابت عن المشهد ولكن ظهرت في ضيعة الصهاليل وفي منطقة الأودية التي هي خارج خريطة التطوير والخدمات، غاب الهاتف والجوّال وحضرت طلقات الرشاش، لغياب وسائل الاتصال قرّر أهالي الصهاليل أن تكون لهم علامات إشارات تحمل دلالات عبر طلقات الرشاشات، ومسدساتهم التي يحملونها.. فهناك عددٌ من الطلقات توحي بقدوم ضيف، وأخرى تُنذر بخطر السيل، وثالثة تعني حالة خطرة أو وفاة - لا قدر الله - يفهمونها تباعاً ويتوافدون على أثرها، أو تكون إنذاراً، وتحذيراً يبلغ كلٌّ منهم الآخر. واقع مؤلم لغياب "الصحة" يقول سلمان جابر، وأحمد الصهلولي، وناجع الصهلولي، وعلي الصهلولي: إن الواقع لا يحتاج إلى شرحٍ أو تفصيلٍ، فلو أتى مندوب الصحة لشاهد حالات تحتضر، فلا طب منزلياً يصل إلى ديارهم، ولا علاج يتوافر بالقرب منهم، فهم منذ سنين يطالبون بخدمات صحية، على الرغم من توافر مبانٍ لمركز الرعاية إلا أن وعود الصحة يوماً بعد آخر تذهب أدراج الرياح، ويتطلعون من مدير صحة جازان الجديد، أن يزور موقعهم ويطّلع على معاناتهم. الطرق لا تعرف الأسفلت يؤكد أولئك المواطنون أن طرقهم باتت تنتظر مشروع الأسفلت الذي يعد حلماً تزهو وتخضر معه الصهاليل مطالبين أن يكون لمسؤولي الطرق زيارة خاطفة عندها ستكون لهم نظرة في الفرق بين شارع مسفلت يطالبون بتوسعته وطريق أقفلته السيول لا يعرف طبقات الأسفلت. الأرز هو مؤن الجمعية الخيرية أما الجمعيات الخيرية فموسمها رمضان فقط تحمل بعض الأرز والدقيق ثم تغادر بعد أن يطلب مندوبوها الدعاء لهم لانهم قاموا بإيصال تلك المساعدات لهم، والتي يقدم بها مندوبوها من جمعية هروب، وكذلك ما يقدمه بعض المحسنين. منازل من الشبوك لفت بأكياس السكر والشعير في جنبات تلك المواقع تظهر مساكن بعض الأسر التي ليس فيها ملامح لإيواء أسرة من حر الصيف وبرد الشتاء، ذات الأعمدة الأربعة، مصنوعة من أكياس الأرز والسكر والشعير لف حولها بعض الشبوك، تشاركهم فيها أغنامهم فهم يعيشون وسط جبال وأودية سحيقة بعيداً عن المدن والقرى، تتضاعف معها المعاناة في الذهاب والإياب لشراء القليل من الاحتياجات لانعدام المواصلات. عجائز الصهاليل يتداوون بالأعشاب ويطحنونها بالحجر ليست هناك مستشفيات أو مراكز صحية أو صيدليات، فليس أمامهم سوى جمع بعض الأعشاب والنباتات التي لا تكاد أن تكون موجودة إلا في أوديتهم ويطحنونها، ثم يجهزونها للعلاج، إما تضمد بها جراحهم أو يسقى بها مريضهم، لسان حال أولئك السكان يحمل الكثير من قصص الألم والمطالب، ولكن كان نهاية حديثهم "الحمد لله على نعمة الأمن" رغم كل المعاناة اعتبروا الأمن هو الحياة الحقيقية لهم.